Page 95 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 95

‫المجلس‬                        ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫لقـد كانـت هـذه صـورة د‪ .‬هويـدى كفيلسـوف عـن مضمـون الفلسـفة القرآنيـة الإسـامية الحقـة‪،‬‬

        ‫وأسـتاذ وإدارى لكليـة الآداب آنـذاك‪ ،‬ومـع ذلـك إنـه نـص فلسـفي بالـغ العذوبـة وشـديد العمـق فـى‬

        ‫آن م ًعـا‪ ،‬ولـن يسـتطيع مـن يتعـرض لق ارءتـه تركـه‬             ‫كانـت تلـك تلميحاتـه فـى محاض ارتـه وخاصـة‬
        ‫إلا بعـد أن ُيتـم القـ ارءة؛ ربمـا لأنـه نـص فيـه الكثيـر‬      ‫فـى مقـرر الميتافيزيقـا عـن الفلسـفة القرآنيـة‪ ،‬تلـك‬
        ‫مـن الإلهـام بقـدر مـا فيـه مـن عقلانيـة الفهـم وجـدة‬          ‫التلميحـات التـى كانـت تنتظـر الفرصـة لتتبلـور‬

        ‫فـى رؤيـة جديـدة متكاملـة وجدهـا فيلسـوفنا ‪ -‬بعـد وجـودة التأويـل وعمقـه‪ ،‬ففيـه تختلـط اللغـة القرآنيـة‬

        ‫والألفـاظ القرآنيـة بألفـاظ اللغـة العاديـة وكأنـه نـص‬         ‫سـنوات عانـى فيهـا الكثيـَر مـن الأحـداث والظـروف‬
                           ‫علـى النـص أو عـن النـص!!‬                   ‫غيـر المواتيـة – فـى خلوتـه التـى أشـرنا إليهـا سـابًقا‬
                                                                       ‫والتـى كثيـًار مـا كنـا نسـأله – خـال أيـام عزلتـه هـذه‬
        ‫ويبـدأ نـص هويـدى بالقـول بـأن «كتـاب الله هـو‬                 ‫– عمـا يشـغله فيهـا فيقـول‪ :‬إننـى مشـغوٌل بالقـرآن‬
        ‫بالدرجـة الأولـى كتـا ُب الإنسـان بمعنـى أن الإنسـان‬           ‫وبك ارمـة الإنسـان‪ ،‬وكيـف يمكـن للإنسـان الفـرد أن‬
        ‫بـكل ثقلـه وتأثيـره هـو محـوره الـذي يـدور حولـه أو‬            ‫يعيـش حياتـه متمت ًعـا بحريتـه وبك ارمتـه بحـق؟ كيـف‬
        ‫هـو قطـب الرحـى الـذي اختـاره الله ليديـر حديثـه‬               ‫للإنسـان أن يعيـش دون خـوف ولا تطـارده خفافيـش‬
        ‫سـبحانه حولـه»‪ ،‬فالقـرآن عنـد هويـدى هـو «مآدبـة‬               ‫الظـام؟ كيـف يعيـش الإنسـان فـى وطننـا العربـى‬
        ‫الله للإنسـان» وهـو كمـا قـال فـى موضـع آخـر‬                   ‫وعالمنـا الإسـامى حـًّار فـى حركتـه قـادًار علـى‬
        ‫«كتـاب الك ارمـة» أى الكتـاب الـذي يتحقـق بـه ومعـه‬            ‫الإبـداع بعيـًدا عـن حيـاة التهديـد والإرهـاب مـن أخيـه‬
        ‫ك ارمـة الإنسـان – أى إنسـان – وخاصـة المؤمـن‬                  ‫وشـريكه فـى الوطـن وخاصـة بعـد أن نجحـت دولنـا‬
        ‫بـه والعائـش بهديـه والمطبـق لأحكامـه‪ .‬و ُجـل مـا‬              ‫فـى التخلـص مـن تهديـد المسـتعمرين والمحتليـن‬
        ‫يحاولـه هويـدى فـى نصـه هـو بيـان للبيـان القرآنـى‬             ‫الأجانـب؟! كيـف للحضـارة العالميـة أن تسـتفيد مـن‬
        ‫يتضمـن إرشـاًدا للقـارئ إلـى «تفسـير ذهنـى للتنزيـل‬            ‫البيـان القرآنـى فـى بنـاء حضـارة جديـدة للإنسـان؟!‬
        ‫وإلـى تصـور شـامل لديـن الله بـدلاً مـن تلـك النظـ ارت‬         ‫لقـد كان بعضنـا يظـن آنـذاك أن الدكتـور هويـدى‬
        ‫التجزيئيـة العقيمـة والوقفـات التفصيليـة الهـادرة التـى‬        ‫يعانـى مـن أعـ ارض العزلـة وأنـه قـد تأثـر ببعـض‬
        ‫فصلنـا فيهـا فصـاً تعسـفًّيا بيـن أوصالـه»‪ ،‬وكذلـك‬             ‫التهويمـات والضغـوط السياسـية عليـه فـى عصـر‬
        ‫إرشـاده إلـى «فهـم حقيقـة العلاقـة بيـن الأخـاق‬                ‫مبـارك!! لكـن الحقيقـة أنـه كان بالفعـل قـد انتهـى‬
        ‫والديـن» وذلـك عبـر اهتدائـه لأول مـرة إلـى «تلـك‬              ‫مـن كثـرة معايشـته للقـرآن وعكوفـه علـى تأملاتـه فيـه‬
        ‫الحيـاة التـى لـم تكـن فـى صميمهـا إلا تأكيـًدا لإ اردة‬        ‫إلـى رؤيـة جديـدة للبيـان القرآنـى تحقـق للإنسـان هـذه‬
        ‫الحيـاة علـى المـوت» ومـا هـذه الحيـاة التـى تتغلـب‬            ‫الك ارمـة وتلـك الحريـة وذلـك الإبـداع‪ .‬فمـا هـى معالـم‬
                                                                       ‫تلـك الرؤيـة فـى فلسـفة هويـدى القرآنيـة أو المسـتمدة‬
           ‫علـى المـوت عنـد هويـدي إلا الحيـاة الأخـرى‪.‬‬
                                                                                                 ‫مـن البيـان القرآنـي؟!‬
        ‫والحيـاة الأخـرى عنـده حياتـان كمـا أن البعـث‬
        ‫عنـده بعثـان‪ ،‬وهـذا هـو جوهـر الجـدة فـى فهمـه‬                 ‫إن كتـاب «البيـان مـن القـرآن» هـو عنـوان النـص‬
        ‫الكلـى للقـرآن وهـو فـى نفـس الوقـت البيـان مـن‬                ‫الفلسـفي البديـع الـذى كتبـه د‪ .‬هويـدي ليكشـ َف فيـه‬
        ‫البيـان القرآنـى نفسـه؛ إذ لا يقـدم هويـدى خطابـه‬

                                                                   ‫‪95‬‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98