Page 30 - مجلة التنوير - العدد الثالث
P. 30

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ومـن ثـَّم اتجـه العاِلـم إلـى الماركسـية؛ حيـث‬                                                                        ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫كانـت الخيـار الأنسـب للعالـم تحـت إغـ ارءات أفـكار‬
‫«لينيـن» و«أنجلـز» التـي تشـَّرب بهـا محمـود أميـن‬                            ‫وبلـدان أخـرى فـي افريقيـا وآسـيا وأمريـكا اللاتينيـة‪،‬‬
‫العاِلـم واقتنـع بمبادئهـا‪ ،‬فقـد كانـت الخيـار الـذي‬                          ‫ذلـك أ َّن الماركسـية فـي مصـر – فـي تقديـره ‪ -‬لـم‬
‫يحقـق أهدافـه الفك َرّيـة والاجتماعيـة‪ ،‬حيـث بـدت‬                             ‫تصبـح جـزًءا مـن حيـاة المصرييـن وثقافتهـم علـى‬
‫الماركسـية أمامـه‪ ،‬كمـا بـدت أمـام غيـره مـن الرفـاق‪،‬‬                         ‫عكـس الصيـن التـي أصبحـت الماركسـية فيهـا جـزًءا‬
‫الاتجـاه الـذي ُيتيـح تحقيـق الترقـي الفكـري والانحيـاز‬
‫للفكـر العلمـي‪ ،‬وفـي الوقـت ذاتـه‪ ،‬تلتـزم بقضايـا‬                                                       ‫مـن ت ارثهـا الثقافـي(((‪.‬‬
‫الواقـع الاجتماعـي وتهتـم بقضايـا العمـال والفلاحيـن‬
                                                                              ‫ومـع ذلـك أدركتـه أزمـة مـارس ‪ ،1954‬والتـي‬
                           ‫والطبقـات الكادحـة‪.‬‬                                ‫أطـاح فيهـا مجلـس قيـادة الثـورة بنحـو خمسـين‬
                                                                              ‫أسـتاًذا مـن أسـاتذة الجامعـة المصريـة؛ حيـث تـم‬
‫فقـد آمـن محمـود العاِلـم بالماركسـية كنظريـة‬                                 ‫فصلهـم وطردهـم خـارج الجامعـة‪ ،‬فـي واقعـة سـتظل‬
‫وف َّضلهـا علـى غيرهـا مـن النظريـات الفلسـفية‬                                ‫نقطـة سـوداء فـي تاريـخ ثـورة يوليـو‪ .‬وكان العاِلـم‬
‫الأخـرى مـن حيـث كونهـا تتميـز بأمـوٍر ثلاثـة(((‪:‬‬                             ‫أحـد هـؤلاء المفصوليـن مـع صديـق عمـره ورفيقـه‬

‫الأول‪ :‬أَّنهـا تسـتمد عناصرهـا ومعطياتهـا –‬                                                               ‫عبـد العظيـم أنيـس‪.‬‬
‫وبالتالـي قوانينهـا – مـن الد ارسـة العلميـة العينيـة‬
‫الملموسـة للواقـع الاقتصـادي والاجتماعـي الفكـري‬                                ‫ارب ًعا ‪ -‬جدل الثقافي والسياسي في حياة العاِلم‬
‫والص ارعـي فضـاً عـن حركـة التاريـخ عامـة‪ .‬فهـي‬                               ‫تطلـع العاِلـم إلـى فكـر وفلسـفة جديـدة؛ فكـر معبـر‬
‫ليسـت مسـتخلصة مـن أفـكار ونظريـات أو عقائـد‬                                  ‫عـن روح العصـر‪ ،‬وثيـق الصلـة بهمـوم الإنسـان‬
‫أو مرجعيـات أو خبـ ارت سـابقة‪ ،‬وإن تكـن تتمثلهـا‬                              ‫المعاصـر‪ .‬وفلسـفة جديـدة لا تنعـزل عـن الواقـع‬
‫وتسـتلهمها بغيـر شـك‪ .‬وإنمـا تسـتمد أفكارهـا مـن‬                              ‫بـل تعمـل علـى تنميتـه وتطويـره إلـى الأفضـل؛‬
‫الوقائع العينية والخبرة العملية والممارسة النضالية‪.‬‬                           ‫فلسـفة واقعيـة تختلـط بوعـي الجماهيـر وتعبـر عـن‬
                                                                              ‫مشـكلاتهم وتطمح إلى حلها‪ ،‬ورفع المعاناة والكدح‬
‫الثانــي‪ :‬هـو أَّنهـا ليسـت مجـرد نظريـة معرفيـة‬                              ‫عـن عاتـق الطبقـات الكادحـة والمقهـورة‪ .‬ومـن ثـم‬
‫علميـة تسـتمد صدقهـا مـن الد ارسـة العلميـة‬                                   ‫بـدت لـه آ ارء وفلسـفة كل مـن نيتشـه وبرجسـون‬
‫الموضوعيـة‪ ،‬وإنمـا تتضمـن كذلـك موقًفـا موضوعًّيـا‬                            ‫بائسـة تدفـع الإنسـان إلـى الاكتئـاب النفسـي‪ .‬وكان‬
‫كنظريـة‪ ،‬لتغييـر الواقـع تغييـًار جذ ًرّيـا لإقامـة واقـع‬                     ‫هـذا انطلاًقـا مـن رؤيـة خاصـة بمحمـود أميـن العاِلـم‬
‫مغايـر يتخلـص فيـه الإنسـان مـن الفقـر والقهـر‬                                ‫الـذي هبـط مـن عليـاء المثاليـة إلـى واقـع مجتمعـه‬
‫والاسـتغلال‪ ،‬وتتفجـر فيـه إنسـانيته الإبداعيـة‬                                ‫المـأزوم‪ ،‬فكيـف يسـتريح لأفـكار نيتشـه التـي تحتقـر‬
                                                                              ‫الضعفـاء فـي واقـع تعانـي الأغلبيـة مـن الانسـحاق‬
                  ‫وتتوفـر لـه الحريـة الحقيقيـة‪.‬‬                              ‫والحرمـان؟! وكيـف يتعايـش مـع آ ارء برجسـون ومـا‬
                                                                              ‫تتسـم بـه مـن تصـوف وروحانيـة فـي مجتمـع يحتـاج‬

                                                                                            ‫إلـى العقلانيـة والفكـر العلمـي؟!»(((‬

‫الثالـث‪ :‬لا ينفصـل فيهـا النظـر عـن العمـل بـل‬                                                         ‫((( عاصم الدسوقي‪ ،‬المتمرد‪ ،‬ص‪.138‬‬
                                                                              ‫((( أنــور مغيــث‪ ،‬اللينينيــة وشــباب الأربعينيــات‪ ،‬مقالــة منشــورة‬
‫(((محمــود أمــن العالِــم‪ ،‬الفكــر العــربي بــن الخصوصيــة والكونيــة‪،‬‬      ‫بكتـاب‪ :‬دراسـات مهـداه إلى محمـود أمـن العالِـم في عيـده الماسي‪،‬‬
                                            ‫ص‪.461‬‬
                                                                              ‫القاهـ�رة‪ ،‬منشـ�ورات الجمعيـ�ة الفلسـ�فية المصريـ�ة‪ ،1999 ،‬ص‪.30‬‬

                                                                          ‫‪30‬‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35