Page 47 - مجلة التنوير - العدد الثالث
P. 47
المجلس لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
إذا قلنـا إن مـا جـرى كانـت أسـبابه دينيـة ،فـإن هـذا يقف بين الصفين المتقاتلين ارف ًعا لكتاب الله .داعًيا
القـول سـوف يترتـب عليـه نتيجـة بالغـة الخطـورة، الطرفيـن إلـى الاحتـكام إلـى مـا جـاء فـي كتـاب الله.
وهـى أن الديـن كان سـبًبا للفرقـة والاقتتـال!! وحاشـا فمـا كان منهـم إلا أن قتلـوه -وقـد اختلفـت الروايـات
لله أن يكـون ذلـك صحي ًحـا( .ص)26 حـول قتلـه -فمـن قـال إنهـم رشـقوه بالنبـال فقتلـوه،
ويستطرد فرج فودة قائلاً: ومـن قـال إنهـم قطعـوا يـده اليمنـى ،فأخـذ كتـاب الله
بيـده اليسـرى فقطعوهـا ،فأخـذ المصحـف بأسـنانه،
«الفصـل بيـن الديـن والسياسـة أرحـم بالإسـام
والمسـلمين؛ لأننـا إذا اختلفنـا فـي الـ أري السياسـي أو بيـن منكبيـه حتـى ُقِتـل»( .ص)25
المخلـوط بالديـن ،فسـوف ُي َكِّفـر كل منـا الآخـر،
بسـبب الاختـاف فـي الـ أري .وسـوف يبـذل كل منـا خـرج فـرج فـودة بنتيجـة مؤداهـا أن السياسـة لعنـة،
الغالـي والنفيـس دفا ًعـا عـن أريـه ،الـذي يظـن أن فيـه أخرجـت نـوازع الشـر مـن النفـوس ،وأشـعلت ثـو ارت
زود عـن العقيـدة ،فـي حيـن أنـه فـي جوهـره موقـف الغضـب ،حتـى صـار السـاعي إلـى تحكيـم كتـاب
سياسـي .ولعـل هـذا هـو مبعـث العنـف فـي الحـركات الله فـي خضـم بحرهـا المتلاطـم سـاعًيا إلـى حتفـه،
الإسـامية قدي ًمـا وحديثًـا»( .ص ص )27 – 26 وحتـى ُقِتـل طلحـة بـن عبـد الله فـي المعركـة ،وُقِتـل
إننـا فـي عصرنـا الحالـي ،وفـي ظـل المجتمعـات الزبيـر -علـى اختـاف فـي روايـة مصرعـه -ولـم
الديمق ارطيـة المعاصـرة ،التـي تفصـل بيـن الديـن ينقـذ المسـلمين إلا دعـوة «علـي بـن أبـي طالـب»
والسياسـة ،نجـد النـاس تختلـف وتقبـل الاختـاف، إلـى عقـر الجمـل الـذي يحمـل أم المؤمنيـن عائشـة.
ويتحـاورون دون صـ ارع بالسـيف ،ويتـم القبـول
بالهزيمـة السياسـية نـزولاً علـى أري الأغلبيـة ،وعلـى (المرجـع السـابق ،الموضـع نفسـه)
أمـل فـي أن يحـوز قبـول الأغلبيـة ذات يـوم. لا توجـد ذرة شـك لـدى أي مسـلم عاقـل سـليم
العقيـدة أن طرفـي الخصومـة هـم أكثـر النـاس فه ًمـا
ساد ًســا :يـرى فـرج فـودة أن اسـتق ارء التاريـخ للقـرآن ،وأكثـر النـاس التصاًقـا بمصـدر السـنة ذاتـه،
الإسـامي يكشـف عـن أن أئمـة الفقـه الإسـامي وهـو الرسـول الكريـم ،ورغـم ذلـك فقـد أرى كل منهمـا
الأربعـة ،وهـم أبـو حنيفـة ومالـك والشـافعي وابـن أرًيـا ،ووصـل الأمـر بهمـا إلـى الاقتتـال وإسـالة
حنبـل .كانـوا أكثـر مـن عانـى مـن الحكـم السياسـي
المتسـربل بالديـن .صحيـح إن التاريـخ الإسـامي الدمـاء أنهـاًار( .ص)26
حافـل بحكايـات مخزيـة عـن فقهـاء السـلطان ،الذيـن مـن حقنـا أن نتسـاءل الآن :إذا كان هـذا هـو مـا
كان شـغلهم الشـاغل ترجمـة أمانـي الخلفـاء إلـى جـرى بيـن رجـال الصـدر الأول للإسـام والمبشـرين
أحـكام فقهيـة ،بـل والعيـاذ بـالله اختـاق أحاديـث بالجنـة ،فكيـف يكـون الحـال علـى يـد مـن هـم أدنـى
نبويـة ونسـبتها إلـى الرسـول الكريـم بغيـة تحقيـق منهـم مرتبـ ًة ،وأقـل منهـم إيماًنـا وتعمًقـا فـي الديـن،
وأضعـف منهـم عقيـدة ،وأبعـد منهـم التصاًقـا بعهـد
الرسـول العظيـم؟
هـل نقـول إن مـا كان بينهـم هـو خـاف دينـي؟ أهـداف السـاطين وطموحاتهـم!!
نجـح أصحـا ُب العقـول المعتمـة فـي اغتيـال أم الأصـوب والأقـرب إلـى وقائـع التاريـخ القـول بأنـه
كان أمـًار سياسـًّيا يتعلـق بأمـور الدنيـا لا الديـن .أمـا
47