Page 48 - مجلة التنوير - العدد الثالث
P. 48

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫إنمـا يركبـون بنـا مركًبـا صعًبـا إن لـم يكـن مسـتحيلاً‪،‬‬                                               ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫فليـس حـاً أن يخـرج الحاكـم اليـوم يتفقـد أحـوال‬
‫النـاس‪ ،‬أو أن يتصنـت علـى البيـوت ليـاً‪ ،‬حتـى‬                 ‫الدكتـور فـرج فـودة‪ ،‬لكـن أبـًدا لـن يفلحـوا فـي إخفـاء‬
‫يعلـم مـن أحـوال المسـلمين مـا يدعـوه لأخـذ الطعـام‬           ‫الحقيقـة التـي دفـع حياتـه ثمًنـا مـن أجـل إعلانهـا‬
‫للجيـاع مـن الأطفـال‪ ،‬أو يعـود لام أرتـه ليصحبهـا‬             ‫صريحـة مدويـة؛ وهـى اسـتحالة قيـام دولـة دينيـة فـي‬
‫كـي تسـاعد زوجـة تلـد دون معاونـة‪ ،‬أو أن ينفـى‬
‫شـاًّبا وسـي ًما ذا وجـه صبـوح خـارج المدينـة حتـى‬                                          ‫مصر المحروسـة‪.‬‬
‫لا يفتـن نسـاء تلـك المدينـة‪ .‬أو أن يؤرقـه أن تعثـر‬
‫دابـة فـي بـاده‪ ،‬أو أن يكـون هـو الحاكـم الأوحـد‬              ‫يمكننـا تلخيـص النتائـج التـي خـرج بهـا فـرج فـودة‬
‫علـى بيـت المـال‪ ،‬والمتصـرف الأوحـد فـي شـئونه‪،‬‬               ‫مـن د ارسـته المتعمقـة لسـيرة الخلفـاء ال ارشـدين‪،‬‬
‫دون رقابـة إلا مـن ضميـره‪ ،‬ودون وازع إلا مـن دينـه‬
‫وتدينه‪ .‬مسـتحيل أن يكون مطلوًبا من الحاكم اليوم‬                    ‫وللتاريـخ الإسـامي كلـه‪ ،‬فـي النقـاط الآتيـة‪:‬‬
‫أن يمـارس الحكـم علـى ذلـك النحـو؛ لأن العصـر قـد‬
‫اختلف‪ ،‬وأنه شـتان بين وسـائل الحياة وأسـاليبها في‬             ‫أولاً‪ :‬مـن يصـورون للشـباب الغـض‪ ،‬إن قيـام‬
‫ذلـك العصـر ونظائرهـا اليـوم‪ .‬مـن المؤكـد أن هـذا‬             ‫حكـم دينـي سـوف يحـول المجتمـع كلـه إلـى جنـة‬
                                                              ‫فـي الأرض‪ ،‬يسـودها الحـب والطمأنينـة‪ ،‬ويشـعر‬
             ‫ليـس حـاً‪( .‬ص ص ‪.)21 – 20‬‬                        ‫فيهـا المواطـن بالأمـن‪ ،‬ويسـتمتع فيهـا الحاكـم‬
                                                              ‫بالأمـان‪ ،‬ويتخلـص فيهـا الأفـ ارد مـن سـوء القصـد‬
‫ارب ًعــا‪ :‬يرفـض د‪ .‬فـرج فـودة قـول القائليـن فـي‬             ‫وحقـد النفـوس ونـوازع الشـر‪ ،‬إنمـا يصـورون حل ًمـا‬
‫كل مـرة يصيبنـا فيهـا ضـرر أو سـوء‪ ،‬بـأن هـذا‬                 ‫لا علاقـة لـه بالواقـع‪ ،‬ويتصـورون وه ًمـا لا أسـاس‬
‫عقـاب الله بسـبب تركنـا لشـريعته‪ ،‬وعـدم تطبيقنـا‬              ‫لـه مـن وقائـع التاريـخ‪ ،‬ولا سـند لـه فـي طبائـع‬
‫لشـرع الله‪ .‬وإننـا لـو طبقنـا شـرع الله لتحولـت حياتنـا‬
‫إلـى جنـة‪ ،‬وتبـدل فقرنـا غنـى‪ .‬يؤكـد فـرج فـودة أن‬                                         ‫البشـر‪( .‬ص‪)18‬‬
‫إطـاق تلـك الأحـكام علـى أحـوال الدولـة وشـئون‬
‫السياسـة ينطـوي علـى كثيـر مـن الضعـف والوهـن‪.‬‬                ‫ثانًيــا‪ :‬إن هنـاك فرًقـا كبيـًار بيـن الديـن والدولـة‪،‬‬
‫فإذا كان تدهور مسـتوى المعيشـة في بلادنا سـخ ًطا‬              ‫وأن انتقـاد دولـة الإسـام لا يعنـي الكفـر بالديـن‬
‫مـن الله لعـدم تطبيـق الشـريعة‪ ،‬فمـا القـول فـي ارتفـاع‬
‫مسـتوى المعيشـة في دول الغرب إلى حد الرفاهية؟‬                                                     ‫الإس ـامي‪.‬‬
‫وإذا كانـت هزيمـة ‪ 1967‬قـد جـاءت نتيجـ ًة لغضـب‬
‫الله علـى حـكام مصـر فـي ذلـك الوقـت‪ ،‬كمـا زعـم‬               ‫فـي دولـة الإسـام حتـى فـي أزهـى عصورهـا‬
‫أحـد كبـار الدعـاة (الشـيخ الشـع اروي)‪ ،‬فمـا القـول‬           ‫سـوف تجـد مـا يمكننـا أن ننقـده وأن نعتـرض عليـه‪،‬‬
                                                              ‫حتـى فـي أزهـى عصـور تلـك الدولـة‪ .‬بينمـا لا تجـد‬
          ‫فـي انتصـار إسـ ارئيل فـي تلـك الحـرب؟‬              ‫في الدين إلا ما ننحني له‪ ،‬تقدي ًسا وإجلالاً‪ ،‬وإيماًنا‬

‫إن هـذه الإدعـاءات هـى هـرو ٌب مـن البحـث عـن‬                                ‫خال ًصـا‪« .‬ص ص ‪.»19 – 18‬‬
                                                              ‫ثالًثـا‪ :‬يقـول د‪ .‬فـرج فـودة بعـدم جـدوى الدعـوة إلـى‬
                                                              ‫العصـر الذهبـي للإسـام؛ لأن الداعيـن إلـى ذلـك‬
                                                              ‫ُيهملـون الاختلافـات الجوهريـة التـي طـ أرت علـى‬
                                                              ‫حيـاة النـاس؛ لأن ذلـك عصـر لـه ظروفـه الخاصـة‪،‬‬
                                                              ‫والآن نحـن نعيـش عصـًار مختلًفـا اختلاًفـا جذ ّرًيـا‪.‬‬
                                                              ‫إن الداعيـن للعـودة إلـى العصـر الذهبـي للإسـام‪،‬‬

                                                          ‫‪48‬‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53