Page 35 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الأندرويد
P. 35

‫المجلس‬                        ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫علـى إقامـة الجسـور مـع الأوسـاط الثقافَّيـة والفنيـة إلـى خلافـات وعـداوات شـخصية‪ ،‬فقـد كان يختلـف‬

        ‫مـع العميـد طـه حسـين صبا ًحـا ويلتقيـه مسـاء بـكل‬            ‫والأكاديميـة‪ ،‬فـكان بفكـره وإسـهامه صاحـب الفضـل‬
        ‫ود ومـودة‪ ،‬كذلـك كان مـع صديقـه المقـرب نجيـب‬
        ‫محفـوظ الـذي كان كثيـًار مـا انتقـد رواياتـه نقـًدا‬           ‫الأكبـر فـي معظـم إنجـا ازت ثـورة يوليـو الثقافَّيـة‬
        ‫اجتماعًّيـا‪ .‬وثانيهمــا‪ :‬أنـه كان مـن فـرط تسـامحه‬            ‫والفنيـة؛ إذ و َّظـ َف كل مؤسسـة ت أرسـها لتكـون بحـق‬
                                                                      ‫أداة اجتماعية ثورية تتغيا تحقيق رسـالته إلى الأمة‬

        ‫وعـدم انغلاقـه لا يحـاور معارضيـه منطلًقـا مـن‬                ‫المصريـة والعربَّيـة وهـي رسـالة الوحـدة والاسـتقلال‬
        ‫معاييـر الصـواب والخطـأ‪ ،‬بـل منطلًقـا مـن أفـ ٍق ثـرى‬         ‫الكامـل والديمق ارطيـة الصحيحـة والرفاهيـة والسـام‪.‬‬

                         ‫يـرى أن للحقيقـة وجـوه عديـدة‪.‬‬               ‫كمـا كشـفت حيـاة محمـود أميـن العاِلـم ومعايشـة‬

        ‫كمـا كشـفت مناقشـة أفـكاره أن الغـرض مـن‬                      ‫أفـكاره عـن شـخصية متسـامحة إلـى أبعـد الحـدود‪،‬‬
        ‫النضـال السياسـي عنـد محمـود أميـن العاِلـم هـو‬               ‫دون أن ُيفـرط فـي ذرة واحـدة مـن قناعاتـه الذاتيـة‪.‬‬
                                                                      ‫فقـد كان دائـم التعديـل لأفـكاره كلمـا اقتضـت ذلـك‬
        ‫الغـرض نفسـه الـذي توخـاه مـن نقـده الأدبـي‪ ،‬وهـو‬

        ‫القضاء على الاسـتغلال والقمع والقهر‪ ،‬والانتصار‬                ‫الحقيقـة فـي ذاتهـا‪ ،‬فلـم ينظـر – أبـًدا ‪ -‬إلـى أفـكاره‬
        ‫للكادحين من العمال والفلاحين بوصفهما الطبقتين‬                 ‫وكأنهـا أفـكار مقدسـة لا يطالهـا التعديـل مـن بيـن‬
        ‫الأكثر فاعلية في عملية التغيير التاريخي ومحاربة‬               ‫يديهـا أو مـن خلفهـا‪ .‬وظـل حياتـه كلهـا ُي ِكـ ُّن احت ارًمـا‬
        ‫الأفـكار والمفاهيـم والقيـم التـي ترسـخ مصالـح القـوى‬         ‫للـ أري الآخـر مؤمًنـا بالوجـوه المتعـددة للحقيقـة‪،‬‬
        ‫المعوقـة لحركتهـا مثـل التقليـد والإتبـاع وتقديـس‬             ‫ومؤكـًدا علـى أن ُمـاك الحقيقـة ال ُمطلقـة دائ ًمـا‬
        ‫الماضـي وشـرعنة العبوديـة والاسـتغلال مـن أجـل‬                ‫واهمـون‪ ،‬وأن التعصـب للـ أري لا يعنـي صوابـه‪.‬‬

        ‫تحقيـق قيـم التقـدم والعقلانيـة والعلـم والحريـة والعـدل‬      ‫وظـل طـول عمـره الـذي اقتـرب مـن التسـعين عا ًمـا‬
                                    ‫والإخـاء والمسـاواة‪.‬‬                 ‫متسـام ًحا بشوًشـا حتـى مـع مـن يختلـف معـه‪.‬‬

        ‫كمـا أن المتفحـص فـي مشـروع محمـود أميـن‬                      ‫إن المتمعـن فـي أفـكار العاِلـم يجـد أنـه لـم يطـل‬
        ‫العاِلـم الفكـري لا يعـدم وجـود مشـرو ًعا اصلاحًّيـا‬
        ‫تقـوم معالمـه فـي نقـاط أربـع هـي‪ :‬تحقيـق تنميـة‬              ‫علينـا مـن بـرج عاجـي ولـم ينفصـل بأفـكاره عـن‬
        ‫عربيـة ت ارعـي الخصوصيـات القطريـة لـكل قطـر‬
                                                                      ‫الواقـع‪ ،‬بـل ربـط النظـر بالعمـل وأقـام جـدلاً خصًبـا‬
                                                                      ‫بيـن النظريـة والتطبيـق‪ ،‬فأثـرى الواقـع بالفكـر‬

        ‫علـى حـدة‪ .‬والدعـوة إلـى امتـاك أدوات العصـر‬                  ‫واغتنـى الفكـر بالواقـع‪ ،‬فـكان كثيـًار مـا يـردد قولـه‬
        ‫المعرفيـة والتكنولوجيـة امتـا ًكا إبداعًيـا وإتاحتهـا‬         ‫المأثـور عنـه‪« :‬النظريـة رماديـة‪ ،‬لكـن شـجرة الحيـاة‬
        ‫بشـكل واسـع للجماهيـر العريضـة‪ .‬وإشـاعة وتعميـق‬               ‫خضـ ارء»‪ .‬ولـم يقـع أسـيًار للنصـوص فدعـا إلـى‬
        ‫الرؤيـة العلميـة العقلانيـة فـي مناهـج التعليـم ووسـائل‬       ‫تحكيـم عقلـه الحـي النابـض المتحـرك فـي كل شـيء‬

        ‫فنجـا مـن الدوجماطيقيـة المقيتـة والانغـاق المذموم‪ .‬الإعـام‪ .‬وتحقيـق المشـاركة الديمق ارطيـة لجماهيـر‬

        ‫الأمـة بغيـر تمييـز عرقـي أو دينـي أو أيديولوجـي‪.‬‬             ‫كمـا كشـفت معاركـه الفك َرّيـة‪ ،‬وهـو المشـاغب‬
                                                                      ‫الأكبـر صاحـب شـعار «شـاغبوا تصحـوا»‪ ،‬عـن‬
        ‫وفـي الختـام أرى أن أكثـر مـا يؤخـذ علـى فكـر‬                 ‫سـمتين فـي غايـة الأهميـة؛ أولهمـا‪ :‬أَّنـه لـم يحـول‬
        ‫محمـود أميـن العاِلـم هـو موقفـه مـن التـ ارث؛ حيـث‬           ‫اختلافاتـه الفك َرّيـة مـع أصحـاب التيـا ارت الأخـرى‬
        ‫بـدا موقفـه هـذا غام ًضـا غيـر واضـح المعالـم‪ ،‬رغـم‬

                                                                  ‫‪35‬‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40