Page 46 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 46
وقد حاولت مصر وسوريا في الفترة ما بين حربي 1967 وأول هذه الشروط أن تكون تلك القوة معروفة الحجم والتسليح
و1973م أن تحققا على مسرحي العمليات حشًدا كافًيا يجرد إسرائيل والتدريب بصورة مسبقة حتى تستطيع القيادة التي ستقودها أن تدخلها
من تفوقها العسكري؛ إذ استطاعتا من خلال إعادة بناء قواتهما في خططها ،وتكلفها بالمهام التي تناسب مستواها ،وثاني هذه
المسلحة وتسليحها وتجهيزها وتدريبها ،ومن ثم حشدها ،أن تنتقلا من الشروط أن تحشد تلك القوة وفق خطة تضعها القيادة حتى يصبح
الدفاع إلى الهجوم ،وهكذا تمثلت في حرب 1973م واقعة عسكرية ممكًنا التنسيق بين أنشطتها وأنشطة سائر القوات التي ستشترك معها
عربية مختلفة عن وقائع الحروب السابقة ،وخصوًصا أن استخدام في القتال ،كما أن ذلك الحشد يجب أن يسمح لها بدراسة الأرض
النفط كسلاح رافق تلك الواقعة ،فانتقلت حرب 1973م بذلك من واستطلاعها ،واستطلاع العدو الذي أمامها ،وتقويم المهمة التي
إطار حرب عسكرية صرفة ومحدودة إلى عتبة الحرب الشاملة،
وكان هذا الانتقال الجزئي جديًدا على الجانب العربي ،في حين أن ستؤديها ،واتخاذ جميع التحضيرات الإدارية واللوجستية اللازمة.
الجانب المعادي عرف الحرب الشاملة بكل معانيها وأبعادها منذ بدء ولم تكن هذه الشروط كلها متوافرة للقوات العربية التي وصلت
الغزوة الصهيونية في مرحلة الاستيطان الاستعماري قبل نشوء إلى الجبهتين بعد نشوب القتال ،يضاف إلى ذلك تلك الصعوبات
والأخطار التي قد تتعرض لها تلك القوات ،وهي في طريقها إلى
الكيان الصهيوني عام 1948م. مسرح العمليات ،فقد واجهت القوات العراقية ،وهي في طريقها إلى
وما أود أن أشير إليه هو أنه لو أحسن تنسيق العمل المشترك بين الجبهة السورية صعوبات جمة؛ منها بعد المسافة (ما يزيد على ألف
بلدان المواجهة وبلدان المساندة العربية في إطار الشروط والعوامل كم) ،وطبيعة الطريق الصحراوي ،وعدم توافر العدد الكافي من
اللازمة لكل عملية عسكرية مشتركة بين بلدان أو قوات عربية ناقلات الدبابات ،وهو ما دفع القيادة العراقية إلى سوق عدد كبير من
متعددة لكان حجم القوات العربية التي توجهت إلى جبهتي القتال أكبر الدبابات سيًر ا على جنازيرها ،ولقد تحملت القوات العراقية هذه
مما كان عليه ،ولأضافت تلك القوات إلى الجبهتين قوة تزيد فاعليتهما الصعوبات وتجاوزتها ،وقاتلت مثل غيرها من القوات العربية
وتأثيرهما ،ولكن عامل كتمان قرار الحرب ،وموعد بدئها -والذي هو بشجاعة وحسن أداء ،ويمكن القول ،قواًل مؤكًدا ،إن هذه القوات
(العراقية) ذات الحجم الكبير ،والتدريب الجيد ،والتسليح القوي ،كان
أحد أسباب النصر -حجب بعض إمكانيات التعبئة والحشد العربيين. يمكنها أن تسهم في أداء دور حاسم في سير العمليات الحربية لو أتيح
ومهما يكن الأمر ،فإن المقارنة بين الجهد العسكري العربي القادم لها أن تكون محشودة قرب مسرح العمليات عند القتال ،وتوافرت لها
من خارج الجبهتين المصرية والسورية في حرب 1973م وبين
الجهد نفسه في الحروب السابقة توضح أن ثمة تحسًنا كبيًر ا شهده الشروط التي ذكرناها.
العمل العسكري العربي المشترك ،وإن لم يرق ذلك التحسن إلى ومثلما تعرض له الجهد العسكري العربي المشترك من ضعف -أو
مستوى جسر الإمداد الذي تدفق إلى إسرائيل من الولايات المتحدة فقدان في بعض الأحيان -في التنسيق والتخطيط المشتركين ،فقد
عانى العمل العربي المشترك في الميادين الأخرى العلة نفسها،
الأمريكية. وبسبب ذلك لم تأخذ البلدان العربية عدتها لتعبئة طاقاتها السياسية
والاقتصادية والإعلامية قبيل الحرب ،وإنما فعلت بعض ذلك بعد
نشوب المعركة حيث صارت سياسات الدول العربية المتعاونة رد
فعل للحرب وليس فعلا.
لقد كانت تعبئة القوى العربية وحشدها في جبهات القتال ضد
إسرائيل المشكلة التي تواجهها القيادات العسكرية العربية ،سواًء
كانت قيادات عامة مشتركة ،أو موحدة ،أو اتحادية ،أو ثنائية ،أو
قطرية ،وظلت هذه المشكلة قائمة حتى في حرب 1973م ،وجاء
مفهوم التضامن العربي وتطبيقاته ليحل جزًءا منها حين سارعت
البلدان العربية ،كل حسب طاقته ،وبحسب الوقت المتاح له ،والبعد
الذي يفصله عن الجبهة ،إلى رفد إحدى جبهتي القتال ،أو كلتيهما،
ببعض قواته المسلحة.
42

