Page 65 - 777777المنظور السياسي
P. 65

‫فقـد تخطـى مفهـوم الأمـن حـدود ضمـان اسـتم اررية‬           ‫هـو الضمـان لتعظيـم الشـعور والإحسـاس بالأمـن‪ .‬فوفًقـا‬
‫الدولـة وحمايـة حدودهـا الإقليميـة وصيانـة سـيادتها‬        ‫للمنظـور الكلاسـيكي لنظريـات الأمـن‪ ،‬كان مفهـوم الأمـن‬
‫الوطنيـة فـي مواجهـة أي تهديـد خارجـي‪ ،‬وامتـد التأثيـر‬
‫إلـى فواعـل مـن غيـر الـدول علـى المسـتوى الأدنـى مـن‬                           ‫مقصـوًار علـى الأمـن العسـكري‪.‬‬
‫الدولـة (الأقليـات‪ ،‬التطـرف‪ ،‬الجماعـات العرقيـة‪ ،‬ظاهـرة‬
‫الهويـة) والمسـتوى فـوق الدولـة (كالمنظمـات الحكوميـة‬      ‫بيـد أن الأمـر اختلـف بمـرور الزمـن؛ وأصبـح مـن‬
‫وغيـر الحكوميـة) إلـى جانـب التحـول فـي طبيعـة مصـادر‬      ‫الواضـح أن هـذا المفهـوم الضيـق للأمـن لا يأخـذ فـي‬
‫التهديـد غيـر التماثليـة؛ مثـل الإرهـاب الدولـي‪ ،‬الهجـرة‬   ‫اعتبـاره التهديـدات غيـر العسـكرية التـي باتـت لهـا أهميـ ٌة‬
‫السـرية‪ ،‬الجريمـة المنظمـة‪ ،‬الحـروب بالوكالـة‪ ،‬التلـوث‬     ‫كبيـرةٌ‪ ،‬وخصو ًصـا مـع التغيـ ارت السـريعة التـي شـهدتها‬
                                                           ‫السـاحة الدوليـة منـذ سـبعينيات القـرن العشـرين‪ .‬ومـن‬
             ‫البيئـي‪ ،‬الص ارعـات حـول الميـاه العذبـة‪.‬‬     ‫ثـم‪ ،‬لـم يعـد هـذا المفهـوم الضيـق للأمـن معبـًار بصـدق‬
                                                           ‫عـن التحديـات المختلفـة التـي تواجـه الـدول‪ ،‬والتـي‬
‫وتطـور مفهـوم الأمـن بكتابـات بـو ازن حـول نظريـة‪/‬‬         ‫تمثـل تهديـًدا لمصالحهـا الحيويـة‪ ،‬فـي عالـم تـزداد فيـه‬
‫مفهـوم «الأمننـة»‪ ،‬فقـد سـلك بـو ازن مسـلكا أكثـر عمقـا‬    ‫الأخطـار والتهديـدات غيـر العسـكرية‪ ،‬وظهـرت مصـادر‬
‫مـن سـابقيه‪ ،‬وقـد تجلـى هـذا واضحـا فـي كتابـه «الـدول‬     ‫تهديـد جديـدة‪ ،‬تمثلـت فـي التهديـدات السياسـية والبيئيـة‬
‫والأفـ ارد والخـوف “‪”People, States and Fear‬‬
‫عـام ‪ 1983‬بالإضافـة إلـى مقالـه المنشـور عـام‬                    ‫والاجتماعيـة والاقتصاديـة والعقائديـة‪ ،‬وغيرهـا‪.‬‬
‫‪ 1997‬في كتاب ‪Security: A new framework‬‬
‫‪ ،Analysis‬فقـد أعـاد بـو ازن تعريـف الأمـن‪ ،‬نافيـا‬         ‫وفـي أواخـر السـبعينيات‪ ،‬بـدأت تتصاعـد المطالبـات‬
‫بذلـك فكرتـه السـابقة حـول ضـرورة تنـاول الد ارسـات‬        ‫بإعـادة النظـر فـي مفهـوم الأمـن لكـي يشـمل التهديـدات‬
‫الأمنيـة فـي إطـار المقاربـة العسـكرية حيـث قـال فـي‬       ‫غيـر العسـكرية مثـل ارتفـاع معـدلات الفقـر وانتشـار‬
‫هـذا الإطـار‪« :‬مـن الضـروري توسـيع مفهـوم الأمـن‬           ‫الأمـ ارض والأوبئـة بيـن السـكان والتدهـور البيئـي ممـا‬
‫ليتجـاوز المسـائل العسـكرية‪ ،‬لأن الدولـة ليسـت‬             ‫أدى إلـى التخـوف مـن أن يكـون لذلـك آثـار خطيـرة تـؤدى‬
‫الموضـوع المرجعـي الوحيـد للأمـن»‪ ،‬كمـا أنهـا ليسـت‬        ‫إلـى عـدم الاسـتق ارر السياسـي ممـا دفـع إلـى المطالبـة‬
                                                           ‫باسـت ارتيجية جديـدة لمواجهـة التحديـات البيئـة خوًفـا مـن‬
 ‫مصـدر التهديـد الوحيـد (‪.)36 ,1983 ,Buzan‬‬                 ‫الدخـول فـي ص ارعـات مسـتقبلية وعنـ ٍف؛ وعنـ ٍف مضـاد‪.‬‬

‫وعرفـه بـاري بـو ازن «‪« :»Barry Buzzan‬بأنـه العمـل‬         ‫لـذا‪ ،‬سـعت الد ارسـات إلـى تحليـل العلاقـة بيـن التغييـ ارت‬
‫علـى التحـرر مـن التهديـد وقـدرة الدولـة فـي الحفـاظ علـى‬  ‫البيئيـة والص ارعـات الدوليـة‪ ،‬وقامـت بتحليـل عـدٍد مـن‬
‫كيانهـا المسـتقل وتماسـكها الوظيفـي ضـد قـوى التغييـر‬      ‫الص ارعـات لمعرفـة مـدى الارتبـاط بيـن نـدرة المـوارد‬
‫التـي تعتبرهـا معاديـة‪ ،‬أمـا أمـن القـوى فهـو ينصـرف إلـى‬  ‫والص ارعـات‪ ،‬وتوصلـت إلـى أن نقـص المـوارد يـؤدي إلـى‬
‫قـدرة الـدول فـي الحفـاظ علـى هويتهـا ووحدتهـا الوظيفيـة‬   ‫تدهـور اقتصـادي وهجـرة المواطنيـن إلـى المناطـق والـدول‬
‫(‪ ،)19-18 ,1991 ,Buzzan‬فالأمـن حسـب بـو ازن‬                ‫المجـاورة والدخـول فـي عـدٍد مـن الص ارعـات التـي تتحـول‬
‫لا يفهـم فـي ظـل أمـن عسـكري فقـط‪ ،‬وإنمـا يتعـدى ذلـك‬
                                                                        ‫مـع الوقـت إلـى ص ارعـات إقليميـة كبـرى‪.‬‬

‫‪65‬‬
   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70