Page 42 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 42

‫الضفة الشرقية للقناة‪ .‬كل هذه العمليات البطولية من الجيش المصري‬         ‫لذلك حدث العدوان الإسرائيلي الغاشم عام ‪ 1967‬على كل من مصر‬
‫‪-‬ومن خلفه جبهة داخلية قوية ومتماسكة ومضحية‪ -‬كسرت غرور العدو‬            ‫وسوريا والأردن‪ ،‬وألحق انتكاسة كبرى بالدول الثلاثة احتلت بعدها‬
‫وبددت ظنونه‪ .‬من هنا لجأ العدو إلى الغدر والخسة كعادته وضرب‬             ‫إسرائيل سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية والضفة الغربية‬
‫الأهداف المدنية مثل مصنع "أبو زعبل" للأسمدة‪ ،‬ومدرسة بحر البقر‬          ‫لنهر الأردن‪ .‬وكانت تلك ضربة قاسية وموجعة للغاية لآمال‬
‫الابتدائية‪ ،‬وسالت دماء الأطفال والعمال المدنيين الطاهرة‪ .‬وعندها أقامت‬  ‫وطموحات ليس للمصريين فقط‪ ،‬بل لكل العرب‪ .‬واستغلت آلة الدعاية‬
‫مصر حائط الصواريخ‪ ،‬وتهاوت طائرات العدو من أحدث الطرز‬                   ‫الصهيونية والغربية هذا الحدث الجلل لكي تبث في نفوس المصريين‬
                                                                       ‫والعرب والمسلمين أن لن تقوم لهم ‪-‬وفي القلب منهم مصر بطبيعة‬
               ‫"الفانتوم" والـ "سكاي هوك" على أرض مصر الطاهرة‪.‬‬
‫وفي أواخر عام ‪ 1970‬لقى جمال عبد الناصر وجه ربه‪ ،‬وتحمل‬                                                           ‫الحال‪ -‬قائمة بعد ‪.1967‬‬
‫المسؤولية والقيادة من بعده نائبه الداهية أنور السادات الذي سار على‬     ‫ُأدرك أنني أطلت في هذه المقدمة للموضوع الأساسي‪ ،‬وهو انتصار‬
‫عهد تحرير الأرض وصيانة العرض‪ .‬وإذا كانت مصر قد استعادت‬                 ‫الجيش المصري في أكتوبر ‪ ،1973‬ولكن هذا العرض (المختصر)‬
‫عافيتها مرة أخرى‪ ،‬وأصبح جيشها أكثر قوة وتنظيما وتسليحا وتدريبا‪،‬‬        ‫ضروري للفهم الصحيح لما جرى بعد ذلك في حرب ‪1973‬؛ لأن‬
‫وألحق بالعدو الصهيوني خسائر فادحة خلال حرب الاستنزاف من‬                ‫انتزاع انتصار كبير وفارق لحرب أكتوبر من سياقه التاريخي يكاد‬
‫‪ 1967‬إلى ‪ ،1970‬فإن ذلك الجيش الأبي واصل تدريباته المكثفة‬
‫واستعداداته القتالية ترقًبا ليوم الثأر واسترداد الكرامة بعد أن ضحت‬                     ‫يفرغه من محتواه العظيم ويجعله مجرد حدث عابر!!‬
‫مصر بعدد من خيرة قادتها في حرب الاستنزاف مثل الفريق عبد المنعم‬         ‫بعد النكسة الكبرى عام ‪ 1967‬انطلقت أبواق الدعاية الصهيونية‬
                                                                       ‫المسمومة لترِّوج بكثافة لمفاهيم وتصورات مغلوطة عن "الجيش‬
                                                             ‫رياض‪.‬‬     ‫الإسرائيلي الذي لا ُيقهر"‪ ،‬و"خط بارليف المنيع الذي لا تؤثر فيه‬
‫لقد اتبع السادات وقيادات الجيش المصري بعد عام ‪ 1970‬سياسة‬               ‫القنابل النووية" و"انهيار الجيش المصري"‪ .‬مثل هذه الدعاية المكثفة‬
‫الخداع الإستراتيجي تجاه العدو الغادر‪ ،‬وأوهموه بأن معركة الثأر ليست‬     ‫بعد ُجرح النكسة القاتل كانت كفيلة بتدمير معنويات المصريين‬
‫قريبة‪ ،‬وأن الأمور تسير بوتيرة هادئة في الوقت الذي كانوا يستعدون فيه‬    ‫وركوعهم أمام القوة الغاشمة التي كادت تحطم أحلامهم بعد حقبة‬
                                                                       ‫مزدهرة وصلت فيها طموحاتهم إلى عنان السماء‪ .‬ولكن ما حدث بعد‬
                                                 ‫بأقصى طاقة ممكنة‪.‬‬     ‫النكسة فاجأ الأعداء والأصدقاء إلى حد الذهول!! فمن المنطقي أن‬
‫هذه المناورة الإستراتيجية البارعة من الصمت والخداع الإستراتيجي‬         ‫ينقلب الشعب على زعيمه المهزوم ويتخلص منه‪ ،‬بل وربما يطالب‬
‫من القيادة المصرية هي ما فاجأ العدو بعبور كاسح للضفة الشرقية لقناة‬     ‫بمحاسبته وإعدامه‪ ،‬لكن ما حدث أن الأغلبية الساحقة من المصريين‬
‫السويس‪ ،‬واجتياح حصون العدو‪ ،‬وإزالة خط بارليف بخراطيم المياه‬            ‫خرجت في مسيرات هادرة حاشدة ترفض "تنحي" القائد والزعيم‬
‫العملاقة وإغلاق جحيم النابالم ‪ ...‬لقد تحقق أول انتصار مصري عربي‬        ‫المهزوم رغم اعترافه بالمسؤولية عن تلك الهزيمة!! لقد تجلى المعدن‬
‫على الكيان الصهيوني صنيعة الاستعمار الغربي القديم‪ ..‬أول انتصار‬         ‫الأصيل للمصريين ‪-‬كما هي عادتهم‪ -‬في تلك الظروف البالغة الشدة‬
‫عربي ُمدو في القرن العشرين ولعدة قرون ‪ .......‬انتصار السادس من‬         ‫والقسوة؛ إذ تكاتفوا مع قائدهم ومع قواتهم المسلحة لترميم الجيش‬
                                                                       ‫وإعادته أقوى وأكثر صلابة من ذي قبل والاستفادة من أخطاء حرب‬
                                                      ‫أكتوبر ‪.1973‬‬
‫كل ذلك بتوفيق الله وبفضل عزيمة وتضحيات وإصرار المصريين‬                  ‫‪ 1967‬الخاطفة والاستعداد للثأر واسترداد الكرامة من العدو الغادر‪.‬‬
                                                                       ‫بعد هذا التلاحم الفوري بين الشعب وقواته المسلحة‪ ،‬لم يخيب‬
                                        ‫وتوحيد الموقف العربي آنذاك‪.‬‬    ‫الجيش رجاء أمته فيه؛ إذ سرعان ما انطلقت بعد النكسة مباشرة بأيام‬
‫هذا هو معدن مصر والمصريين تزيده الشدائد توهًجا كالذهب حين‬              ‫وأشهر معدودة عام ‪ 1967‬عمليات "حرب الاستنزاف" ضد العدو‬
‫تصهره النيران‪ .‬وستظل مصر ‪-‬بإذن الله‪ -‬الحصن المنيع وعمود خيمة‬           ‫المتغطرس‪ ،‬ودارت معارك بطولية مثل "رأس العش" و "جزيرة‬
                                                                       ‫شدوان" وتدمير المدمرة الإسرائيلية "إيلات" بزوارق الصواريخ‬
             ‫العرب والمسلمين مهما عظمت النوازل واشتدت الخطوب‪.‬‬          ‫المصرية قرب ميناء بورسعيد‪ ،‬وغير ذلك الكثير من العمليات‬
                                                                       ‫الخاصة للصاعقة والقوات الخاصة خلف خطوط العدو في عمق‬

                                                                          ‫سيناء‪ ،‬فضًال عن ضربات المدفعية على ُدشم وتحصينات العدو في‬

‫‪38‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47