Page 57 - Muqawwil Magazine
P. 57

‫مقال‬

                                                        ‫التحكيم ‪..‬‬
                        ‫الممارسة القضائية ‪ ..‬منذ بداية البشرية‬

‫‪ ‬المهندس صالح الزهراني‬  ‫في كافة المجالات فقد واكب التحكيم كمنظومة ق�ضائية متكاملة‬                  ‫منذ أ�ن ا�ستوطن الب�شر في ا ألر�ض كلفهم الله عز وجل بعمارتها‬
                        ‫ذلك و�سعى المتخ�ص�صون �إلى تقنين الاج�راءات من خلال العمل‬                  ‫وال�سعيفيهاللرزقوكانلزام ًالتحقيقذلكالتعاونفيمابينهمفي‬
                        ‫الم ؤ��س�سي المنظم الذي ي�ضمن فعالية الممار�سة التحكيمية وجعلها‬            ‫�شتى نواحي الحياة لبناء منظومة متكاملة من التعاملات الحياتية‬
                        ‫خيار ًا محبذ ًا لأط�راف العلاقة ولتخفيف العبئ على المنظومة‬                 ‫ا إلن�سانيةالتيت�ضمنا�ستمرارالحياةوتلبيمتطلباتها‪.‬وممالا�شك‬
                        ‫الق�ضائية الر�سمية وذلك من خلال التركيز على المميزات التي‬                  ‫فيه �أن التعاملات الب�شرية بمختلف جوانبها قد ي�شوبها الاختلاف‬
                        ‫ي�شملها التحكيم كونه ي�ضمن التخ�ص�ص في مو�ضوع الخلاف‬                       ‫بين أ�طرافالعلاقةولذلكفقدلج�أالب�شرمنذالع�صورا ألولى إ�لى‬
                        ‫وو�ضوح الإج��راءات والمدد الزمنية المتطلبة لحله والحكم فيه‬                 ‫حل النزاعات والخلافات بتحكيم ذوي الحكمة والمعرفة منهم‪.‬‬
                        ‫إ��ضافة �إلى ميزة اختيار الهيئة التحكيمية من قبل أ�طراف الخلاف‪.‬‬            ‫وقد أ��شار القر آ�ن الكريم �إلى التحكيم في عدد من الموا�ضع منها‬
                        ‫وقد �سعت المنظومة العالمية �إلى تعزيز مفهوم التحكيم وتطويره‬                ‫ما هو على �شكل ق�ص�ص ومنها ما هو على جانب الت�شريع لف�صل‬
                        ‫وكان لدول مجل�س التعاون الخليجي ال�سبق في ذلك من خلال �إن�شاء‬              ‫الخلافات وقد تجدر الإ�شارة �إلى ق�صة نبيي الله داوود و�سليمان‬
                        ‫مركز التحكيم التجاري لدول مجل�س التعاون الخليجي حيث أ�قر‬                   ‫عليهما ال�لاسم في قوله تعالى ( َو َدا ُوو َد َو�ُس َل ْي َما َن ِ�إ ْذ َي ْح ُك َما ِن ِفي‬
                        ‫�أ�صحاب الجلالة وال�سمو قادة دول مجل�س التعاون الخليجي الموافقة‬            ‫ا ْل َح ْر ِث ِ�إ ْذ َن َف�َش ْت ِفي ِه َغ َن ُم ا ْل َق ْو ِم َو ُك َّنا ِل ُح ْك ِم ِه ْم �َشا ِه ِدي َن (‪)78‬‬
                        ‫على �إقامة مركز التحكيم التجاري لدول مجل�س التعاون لدول الخليج‬             ‫في �سورة الأنبياء �إذ بينت الآية الكريمة �أن التحكيم منهج رباني‬
                        ‫العربية وعلى نظام المركز في قمة الريا�ض الرابعة ع�شر في عام‬                ‫نبوي ولي�س فقط ممار�سة �إن�سانية بل �أو�ضحت جلي ًا ما قد ي�شوبه‬
                        ‫‪1993‬م ومقره مدينة المنامة بمملكة البحرين ويعتبر المركز‬                     ‫من اختلاف في الر أ�ي ووجهات النظر‪ .‬ومن جانب الت�شريع فقد‬
                        ‫جهاز ًا ق�ضائي ًا تحكيمي ًا �إقليمي ًا م�ستقل ًا عن دول المجل�س ال�ست بما‬  ‫�أ�شار الله تعالى إ�لى التحكيم في �أمور الخلافات ال�شخ�صية مابين‬
                        ‫فيها دولة المقر‪ ،‬يتمتع ب�شخ�صية قانونية قائمة بذاتها وب إ��ستقلال‬          ‫�ِإاِّملَّجنْلزنياوًاَ�ألَّْأ�جهَِلليهِه َنمك َوايفََةنحيَكمَعًمقِملاوايلرًِّممه�ا ْسنتةَع�َأخااِْبلهليِلت ًَىرهاحا(ك�إِ(يَون إِ�م‪ُ5‬يْنِر‪3‬حيِي)َخد ْافثُتإ�ِف ْمْ�جيصع�َِل�شسلهَقواًاحرَااقةل ُيلَباَوهْيلِِّفننت ِِ�هقعسَاماالاءلَّى‪َُ،‬فلا�أ َوبْب ْيَحعهَنُثندُهوااَمميا َترحا َ�كضحًمحالۗ‬
                                                                                                   ‫الإ�لاصح و�سبيل إ�ل�ى حفظ ا أل�سرة والمجتمع من التفكك ونبذ‬
                                 ‫�إداري ومالي وفني ‪ ،‬وهو أ�حد أ�جهزة مجل�س التعاون‪.‬‬
                        ‫ومع إ�نطلاق الر ؤ�ية الطموحة ‪ 2030‬للمملكة العربية ال�سعودية‬                                                    ‫الخلاف‪.‬‬
                        ‫و�سعيا لتهيئة البيئة الا�ستثمارية لتكون جاذبة ومناف�سة على‬                 ‫وفي ال�سيرة النبوية نجد الكثير من الق�ص�ص التي كان الر�سول‬
                        ‫الم�ستوى العالمي فقد أ�ن�شئ المركز ال�سعودي للتحكيم التجاري‬                ‫�صلى الله عليه و�سلم محكما فيها ولعلنا ن�شير إ�لى الحادثة الا�شهر‬
                        ‫وهومن�ش�أةغيرربحيةت أ��س�ستبقرارمجل�سالوزراءرقم(‪)257‬‬                       ‫وهياختلافقري�شفي أ�حقية إ�عادةالحجرا أل�سود إ�لىمكانهبعد‬
                        ‫وتاريخ‪ 1435/6/14‬هـ‪،‬ومقرهالرئي�سمدينةالريا�ض‪،‬ويتولى‬                         ‫إ�عادة بناء الكعبة في الجاهلية وعندما اختاروا النبي �صلى الله‬
                        ‫الإ�شرافعلى إ�جراءاتالتحكيمفيالمنازعاتالتجاريةوالمدنية‬                     ‫عليه ليكون محكم ًا في الخلاف الذي ن�شب بينهم لحكمته و�أمانته‬
                        ‫ذاتال�صلةالتييتفق أ�طرافهاعلىت�سويتهاتحكيم ًيالدىالمركز‪،‬‬                   ‫وما نتج عن حكمه من نزع للخلاف والفتنة التي ك�ادت أ�ن تقع‬
                        ‫وفق ماتق�ضي به ا ألنظمة المرعية والمبادئ الق�ضائية التجارية‬                ‫بينهم‪ .‬وقد ا�ستمر هذا النهج الب�شري رغم تغير الع�صور والدهور‬
                        ‫والمدنية الم�ستقرة‪ ،‬ليعطي مزيد ًا من الخيارات لأطراف العلاقة‬               ‫وجاء الإ�لاسم ليثبت هذه الممار�سة الق�ضائية وا�صلها بقوانين‬
                                                                                                   ‫و أ�حكام فيما يخ�ص الجانب الديني وفق ما يقت�ضيه ال�شرع وترك‬
                                         ‫ولت�سهيل تطبيق التحكيم داخل المملكة‪.‬‬                      ‫المجال وا�سع ًا في مجال التعاملات التجارية والتخ�ص�صية مع‬
                        ‫إ�ن �أي خلاف قد ين�ش أ� بين �أطراف العلاقة التعاقدية يعني خ�سارة‬
                        ‫لكلا الطرفين في حال لم يتم حله بالطرق ال�صحيحه ويكون عامل‬                                          ‫منحها�إطار ًاعام ًاللت�شريع‪.‬‬
                        ‫الوقت هو الحا�سم في ذلك فكلما زاد الزمن المتطلب للف�صل في‬                  ‫و�أ�شارة �إلى ما تم ا�ستعرا�ضه من �إيجاز عن التحكيم خلال الحقب‬
                        ‫النزاع طال �أمد التوقف في العمل الناتج عنه وقد يتعدى ا ألثر‬                ‫الزمنية المختلفة فيمكننا تعريف التحكيم ب�شكل موجزعلى �أنه‬
                        ‫ال�سلبي نطاق �أطراف العلاقة لي�شمل المنظومة الاقت�صادية ككل‬                ‫منح فرد أ�و عدة �أفراد �سلطة ق�ضائية للف�صل في نزاع حدث فعل ًا‬
                        ‫خ�صو�ص ًا �إذا ما كان النزاع في تنفيذ الم�شاريع �أو توريد المواد‬           ‫أ�و من المحتمل حدوثه خارج منظومة الق�ضاء الر�سمية‪ .‬ون�شير �إلى‬
                        ‫الا�ستهلاكية والطبية وغيرها من التعاملات التعاقدية التي تم�س‬
                        ‫المجتمع واحتياجاته وهنا يتبين لنا �أهمية ا�ستمرار العلاقات‬                       ‫أ�ن �إرادة المنح هنا ت�شير �إلى طرفي العلاقة بلا ا�ستثناء‪.‬‬
                        ‫التعاقديةوالتجاريةدونخلافاتطارئةو أ�نحدثتفيجب إ�نهاءها‬                     ‫ومع تطور التعاملات التجارية في الع�صر الحديث والتقدم المطرد‬
                        ‫والتعامل معها في �أ��س�رع وق�ت ممكن بما ي�ضمن حقوق جميع‬

                          ‫الأطراف وبما يدعم م�سيرة التنمية الاقت�صادية والاجتماعية‪.‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬نوفمبر ‪55 2019‬‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62