Page 36 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 36
العـدد 27 34
مارس ٢٠٢1
بالفعل تلك قناعا ُت هذا التيا ِر فهذا يمثّ ُل اتها ًما التعام ُل معه ،أو دراس ُته ،أو دراس ُة آثا ِره الفنيّة
فكر ًّيا لهم فى رؤيتِهم للآخر ،وللإنسان عمو ًما. بمعز ٍل عن الآخر ،والك ّل ،ولا ُيمكن فه ُم الذا ِت
ويستد ُّل د.عبد الواسع على نظرته باستشهادين من بأ ّنها شي ٌء منفر ٌد عن ك ّل ما حولها ومن حولها،
وأ ّن الف ّن ذا َته مهما بلغ إغرا ُقه في الخيال فهو ليس
شعر أدونيس ،الأول: ببعي ٍد عن الحياة ،وربما لو ثبت له هذا البعد -وإن
“تتقدمون كالبرص نحوي ،أنا المربو ُط بترابكم.
لكن لا شي َء يجمع بيننا وك ّل شي ٍء يفصلُنا- كان صعبًا -لان ُت ِزع ْت عنه صف ُة الفن.
فلأحترق وحي ًدا ،ولأعبر بينكم رم ًحا من “ ليس العجب أ ْن تكو َن بين الف ِّن والحيا ِة صل ٌة،
الضوء»(.)31 إ ّن ُيقال أ ْن العجب هو مصد ُر الف ّن ،بل مهاذدها املالصحل َةُّي
لا وجو َد لها”(.)29
والثاني: إذن كما يذه ُب الدكتور مصطفى سويف فالعلاق ُة
بين الف ِّن والحيا ِة وطيد ٌة ،والف ُّن منت ٌج ذات ٌّي ،لك ّن
“أنتم وس ٌخ على زجاج نوافذي ويجب أ ْن أمح َوكم، تلك الذا َت ليس ْت شيئًا خا ًّصا معزو ًل عن الوجود،
أنا الصبا ُح الآتي والخريط ُة التي ترسم نف َسها”(.)32 خا ّص ًة ذات الفنّان الذي يستطيع أكثر من غيره أ ْن
لا نقصد من هذا أ ْن نض َع سعادة مقاب ًل لأدونيس، يشتب َك مع ذوات الآخرين ،وربما يتماهى معها،
وذلك تب ًعا لقدرة الفنّان على التحليق بالخيال،
أو يض َع مفهو َم الذات عند سعادة مقاب ًل لمفهومها والمعايشة مع الآخر باعتبا ِره إنسا ًنا في الأساس
عند أدونيس وتيار الحداثة العربيّة ،ربما يكو ُن
الذي اعتبر د.الحميري تص ّور فقط في الأم ُر واق ًعا
ذلك التيار- -ممثل ٌة في العربيّ ِة الحداث ِة أ ّن تكري َس قبل المُكت َسبات الفكر ّية والبيئيّة التي تجعل البع َض
للذات هو في نفس الوقت يحم ُل مفاهي َم مضاد ًة يتو ّهم أ َّن الإنسا َن ليس ساب ًقا على ك ِّل مكتسبا ِته
عبار ٍة يعقلى ُفك ّملتأو ّم ًجلودم)ت،حأيّو ًرافأكمرا ِةم للآخر ،بل إ ّن العق َل
أ ّن مثل (فرض هيمنته مهما حاول ْت الطائفيّ ُة والأيديولوﭼيا والعنصر ّية.
وطر ُحنا هذا لا َيم ُّس من بعي ٍد أو قري ٍب سم َة
وجو َد الذات يناه ُض ويناق ُض وجو َد الآخر وإلا الفرد ّية في الإبداع الفن ّي عمو ًما.
صار وجو ُدها زائ ًفا ،وليثبت د.الحميري ذلك
استد ّل بالمقطعين السابقين لأدونيس! ورغم انتماء سعادة لتيار ما بعد الحداثة في قصيدة
رغم أ ّن رف َض الآخر في حقيقته هو إثبا ٌت لوجو ِده،
وتكري ُس أدونيس لذا ِته في هذين المقطعين هو إثبا ٌت النثر ،فهو من الجيل التالي لأدونيس ويوسف
لآخر موجو ٍد له صداه في ذاته ،حتى استعلاء الخال وقاسم حداد ،وغيرهم ،إلا أ ّن مفهو َمه للذات
أدونيس على رابط التراب حمل إقرا ًرا منه أ ّنه في تجربتِه يختل ُف عن مفهوم سابقيه.
مربوط به مع الآخر.
يقول د.عبد الواسع الحميري في كتابه (الذات
الشاعرة فى شعر الحداثة العربية) متح ّد ًثا عن جيل
لا نو ُر الإسها َب في تلك النقطة ،لك َّن شعرا َء الجي ِل أودنيس« :يمكن القو ُل في تجربة هذا التيار إ ّنها
السابق لسعادة لو بدا من بعض نصوصهم أ ّنهم قد انطلق ْت في رفضها للآخر ،من رؤي ٍة مزدوج ٍة
رفضوا الآخر ،فهذا لا يعني أ ّنهم نفوه ،وليس لهليومنجتوهد:علوىجكولِدهوا اجلوذاد؛ت ّيو اولذجوي ِدتالآسعخىر
باستطاع ِة أح ٍد بالأساس أ ْن ينف َي الآخر. إلى فرض
لك ّن مفهو َم الذات عند سعادة اتسع ،فقد شمل ْت الذي برز
بوص ِفه عقب ًة في طريقها إلى ذلك الوجود .وقد بدا
تلك الذات في طيّاتها الآخر ،دون تقيّ ٍد بأحكام
قيم ٍة إيجابيّ ٍة أو سلبيّ ٍة ،فسعادة يتعام ُل مع الآخر لها أ ّن وجو َدها -وهو الوجود الحقيق ّي ،المكتفي
ويتفاع ُل معه باعتبا ِره إنسا ًنا. بذاته ،الخالق لغيره -لا يمكن له أ ْن يتكئ على
وجود الآخر ،فض ًل عن أ ٍن يتعاي َش مع وجود
يقول سعادة: الآخر يناقض ،بل يناهض -من حيث هو وجو ٌد
زائ ٌف -ك ّل وجود حقيق ّي لها”(.)30
«أنا ،نفسي ،عش ُت بلا جسد ،كن ُت طاف ًحا بالروح
لكنّني كن ُت بلا جسد .بحث روحي عن جسدي بالطبع تلك وجه ُة نظ ِر كاتبِها ،لك َّن الخطور َة في
تص ّورنا أ ّن هذا الطرح لو ثبت ْت صح ُته ،أو لو كانت
طوي ًل .مشى أعرج ضا ًّل مجنو ًنا .وظ ّل وحي ًدا ،ظ ّل