Page 52 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 52
العـدد 27 50
مارس ٢٠٢1
تالله ما راق عيني حسن مرتبع وأنت أي ًضا وقاك الله من ألم
ولا طمعت لمرأى أو لمستمع بالله إن جئت كثبا ًنا بذي سلم
قف بي عليها وقل لي :هذه الكثب!
إلا لمعنى إلى علياك ينتسب()49
إن من شأن هذا الحب وذلك الشوق أن يدفعا به ولتنزلن بي لديها لا ضللت سرى
وسر برحلي وذرني أندب الأثرا
إلى الوقوف على الأطلال وهي هنا الكثب (قف أعفر الخد بين الترب منكسرا
بي عليها وقل لي :هذه الكتب) ،لكنها ليست قط ًعا ليقضي الخد في أجراعها وطرا
من ترابها ويؤدي بعض ما يجب
كثب الشاعر الجاهلي ،وإنما هي المقامات التي
ينزلها العارفون بالله في سيرهم إلى ما يتناهى من يا صاح والقلب لا يصحو للائمة
علمهم بمعبودهم( .)50ولعل ما يزكي هذا التفسير بالله إن ملت من نجد إلى سمة
(التأويل) قوله« :سر برحلي وذرني أندب الأثرا»،
«أعفر الخد بين الترب منكسرا» ،ترى لم هذا الذل عارض صباها لتشفين بنا سمة
ومل إلى البان من شرقي كاظمة
والانكسار؟ فلي إلى البان من شرقيها طرب
الراجح أن الشاعر يندب الأطلال ويبكي ما بقي
منها من آثار العارفين حيث لم يكن له قدم فيما فأي مغنى زكت في الطيب تربته
نزلوا فيه ،وبرأي الباحثة فاطمة طحطح فإن تيمة تحدو النفوس للقياه محبته
التخلف عن ركب الحجيج تولد لدى الشاعر شعو ًرا
وتزجر اللحظ عن مرآه رهبتة
بالإبعاد والإقصاء فيما هي تشكل ثابتًا دلاليًّا أكرم به منز ًل تحميه هيبته
ومؤش ًرا أسلوبيًّا يتردد بكثرة في شعر ابن خاتمة،
عني وأنواره ،لا السمر والقضب
وهي -أي تيمة التخلف -لا تختلف عن إشكالية
الذنب /الغفران لدى ابن الخطيب(.)51 إيه خليلي بوذي فيك ،لا نبذا
شم ذا البريق وخذ بي حيث ما أخذا
ولا تنتهي رحلة ابن خاتمة عند هذا ،من مكان
إلى مكان ومن مقام إلى مقام ،ندائه متواصل عبر وحاذه فهو من آمالنا بحذا
أعطاف القصيدة يفجر لواعجه المحمومة وأشواقه ومل يمينا لمغنى تهتدي بشذا
نسيمه الرطب إن ضلت بك النجب
الحرى الملتهبة التي تعكسها المقاطع الطويلة
لأساليب النداء (يا صاحبي ،يا حاذي العيس، فازت نفوس قبيل العيس قد ظعنت
يا صاح ،إيه خليلي) وأفعال الأمر المسترسلة حسن من تشتاقه ودنت
(ساعدني ،قف بي قل لي ،سر برحلي ،ذرني،
عارض صباها ،قل أي مغنى ،شم ذا البريق). أحبب لقلبي بمثولها لقد أمنت
مما سبق نستنتج أن رحلة ابن خاتمة نتجت ففيه عاهدت قدما حب من حسنت
عن هذا الإحساس بالاغتراب الأصلي ،ومن ثم
نفهم إلحاحه على العودة إلى الأصل من خلال به الملاحة واعتزت به الرتب()42
تعلقه بالتراب ،ولا غرو فإن مثل هذا الإحساس هي تغريبة في الزمان والمكان تترجم عاطفة دينية
«يخترق وجود الصوفي وحياته ،كما أن الإحساس قوية ووج ًدا فيا ًضا مجل ًل بالشوق والحنين ،إنها
بالانفصام هو الذي يفسر ارتباط حركة الرحلة
بحركة الحب والعشق الإلهي»( ،)52المتجسدة أسا ًسا إسراء صوفي ينتقل الشاعر عبره من الأندلس
في هذا المغنى النوراني الذي «تحدو النفوس للقياه إلى المشرق معر ًجا على محطات مأهولة بالقدسية
محبته» ،له الهيبة والرهبة والهداية والحسن(،)53
وقد فاز من كان سبَّا ًقا إلى ارتياده وغشيانه والدنو والرمزية« :ذي السلم»« ،نجد» و»كاظمة».
يقرر الشاعر في مستهل قصيدته أن الوصب
منه: والحزن عجما عوده وأنهكاه ،فهو مسكون بحب
فازت نفوس قبيل العيس قد ظعنت
وشاهدت حسن من تشتاقه ودنت بارئه مشوق إلى الاتصال به:
يا حاض ًرا سره عندي ،وفي ،ومعي
أحبب لقلبي بمثواها لقد أمنت
فيه عاهدت قد ما حب من حسنت أغير ذكرك أملي أم سواه أعي