Page 47 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 47
45 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
المقصودة بنظم الديوان: القصيدة أن هناك ذاكرة اتخذت من الموروث
«فقلدناها من نظمنا في هذا الكتاب أحسن القلائد التراثي خاصة القرآن الكريم ،ينبو ًعا ث ًّرا تمتح منه
بلسان النسيب الرائق وعبارات الغزل اللائق ،ولم
أبلغ في ذلك بعض ما تجده النفس ،ويثيره الأنس وأرضية تبني عليها متنها الشعري عمو ًما ،ففي
من كريم ودها وقديم عهدها ،ولطافة معناها، البيت الخامس والسادس إشارة إلى قصة موسى
وطهارة مغناها ،إذ هي السؤال المأمول والعذراء
البتول ،ولكن نظمنا فيها بعض خاطر الاشتياق عليه السلام ،خاصة مسألة خلع النعلين التي
من تلك الذخائر والأعلاق فأعربت عن نفس تواقة، فسرها الصوفية على أنها «ترك الجسم والنفس أو
ونبهت على ما عندنا من العلاقة ،اهتما ًما بالأمر ترك الدنيا والآخرة والاتجاه إلى الحق اتجا ًها ينتهي
القديم وإيثا ًرا لمجلسها الكريم ،فكل اسم أذكره في إلى الفناء ثم البقاء فيه( .)21وعليه فان سيرورة هذا
هذا الجزء فعنها أكني وكل دار أندبها فدارها أعني
ولم أزل فيما نظمته في هذا الجزء على الإيماء إلى الاتجاه تنقل الصوفي من العالم السفلي إلى العالم
الواردات الإلهية والتنازلات الروحانية والمناسبات العلوي عبر تجربة عشق إلهي:
العلوية ،جر ًيا على طريقتنا المثلى ،فإن الآخرة وقطع ذوي الألباب عشق مراتب
خير لنا من الأولى ،ولعلمها رضي الله عنها بما
إليه أشير ،ولا ينبئك مثل خبير ،والله يعلم قاري من العالم الأدنى ويسلبن كالسحر
الديوان من سبق خاطره إلى ما يليق بالنفوس وفي العالم العلوي لذتنا التي
الأبية والهمم العلية المتعلقة بالأمور السماوية ،آمين
بعزة من لا رب غيره والله يقول الحق وهو يهدي ندور عليها الآن والعيش في الدور()22
السبيل»(.)28 خمرة الدير التي شبهها الشاعر في مستهل
أما أسباب شرح الديوان فيلخصها ابن عربي في ما القصيدة بالنبراس والنار هي «خمرة الهوى»
يلي: وخمرة الخلاص ،إذ من مزايا النور «أنه يرمز دو ًما
«وكان سبب شرحي لهذه الأبيات أن الولد بد ًرا إلى الحياة والخلاص والسعادة» )23(.هكذا يتقدم
الحبشي والولد إسماعيل بن سودكين سألاني في النور في الثقافات التي نهل منها الششتري صورة
ذلك وهو أنهما سمعا بعض الفقهاء بمدينة حلب من صور الله ،بل هو الله في المسيحية( )24كما في
ينكران هذا من الأسرار الإلهية وأن الشيخ يتستر الإسلام (الله نور السموات والأرض)( ،)25وإضافة
والدين ،فشرعت في ذملنكسوو ًبقارأإلىعلايَّل بصعلاضحه لكونه إلى هذه التواردات فالخمرة ترمز كذلك للمعرفة
القاضي ابن العديم شرح
بحضرة جماعة من الفقهاء ،فلما سمعه ذلك المنكر والوجد والسكر الإلهي.
الذي أنكره تاب إلى الله سبحانه وتعالى ورجع الحاصل إذن أن ما يؤسس اغتراب الشاعر إنما هو
عن الإنكار على الفقراء وما يأتون به في أقاويلهم
من الغزل والتشبيب ويقصدون في ذلك الأسرار الرغبة في فهم معميات التجريد العلوية ،تلك التي
الإلهية»(.)29 تؤجج دهشة الحبر العالم وتذكي حيرته:
يمكن أن نلخص هذا الاستشهاد في النقط التالية: وأن يد التجريد ترتفع سترها
-1يتأطر ديوان ابن عربي ضمن الغزل. وتبدو ذوات الحسن من داخل الستر
-2الشاعر يصرح بأنه اصطنع الكتابة والإيماء وتبدو لك الأسرار والملك والغنى
لذلك فالمعاني التي يوردها هي على سبيل الرمز. ويارب حبر خاض في ذلك البحر
-3مقصدية الشاعر تتمثل في الإيماء إلى الوردات وكم داهش قد حار في عظم موجه
الإلهية والتنزلات الروحانية والمناسبات العلوية ولم يدر ما معناه في المد والجزر()26
جر ًيا على طريقة المتصوفة المثلى.
-4الملتقية الأولى (بنت العالم) على علم وخبرة استكمالا لتحليلنا للبنية الرمزية للطلل وإسهامها
ودراية بما يشير إليه الشاعر. في تجلية الاغتراب المكاني الروحي لدى المتصوف،
-5دعوة ابن عربي إلى استبعاد الحكم الأخلاقي في نصل إلى الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي الذي
أفرد ديوا ًنا كام ًل هو «ترجمان الأشواق» للغزل
المقرون بذكر الطلل ،لكن قبل أن نمضي في تحليل
بعض هذه المقاطع الطللية لا بد من أن نستحضر
بعض الفقرات التي نعتبرها موج ًها من موجهات
القراءة ،يقول ابن عربي ،بعد أن يسرد دوافع
نظمه لهذا الديوان التي لخصها في نزوله بمكة عند
شيخ عالم إمام ،وكانت لهذا الشيخ بنت على درجة
عالية من العلم والجمال الخلقي والخلقي( ،)27وهي