Page 45 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 45
43 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
رحيلهم م ًعا بعي ًدا عن الشاعر،
فمرور الزمن يجعل الطلل
مكانين نفسيين أو زمانين
متقابلين»( )10يسلم الأول
(الماضي) إلى الثاني (الحاضر).
هكذا يرسم الشاعر عبر
الذاكرة تفاصيل الرحلة من
عهد الشباب والصبابة إلى عهد
الشيب والحسرة ،ولعل هذا
الإحساس المرير بالزمن هو ما
يضرم في دواخله أتون الحنين
إلى الديار المقدسة والأماكن
المشرقية:
تذكرت عه ًدا بمنعرج اللوى
لا يستحيل وموث ًقا مشهودا
محمد مفتاح فاطمة طحطح علي زيعور الفرق بين العهد الأول والحالي
هو أن الأول يصيبه العفاء
والانمحاءات في حين أن الثاني
يتعالى عليهما ،نقول مع فاطمة طحطح «هكذا اتخذ ولا تسأل الأطلال بعد قطينها
فعفت جوا ًبا بعد طول تردد الشاعر من الأطلال رم ًزا لحنينه إلى أطلال مطلقة
سوى عبرة تحدو ثقال سحابها وديار ثابتة ،إن ذكرى الشباب ومواطن الصبا
إذا ما ونت ريح الزفير المصفد(.)12
نلاحظ أن محور الحس المأساوي في هذه المقدمة ذكرته بذكرى أخرى هي الأماكن النجدية وعهد
الطللية هو هذا النزال غير المتكافئ بين الإنسان منعرج اللوى ،عهد لايستحيل ..زمان لا تلحقه يد
والزمن ،فريب هذا الأخير يؤدي إلى هدم كل لحظة البلى ،إنه عهد النبوة ،زمن الديمومة والمطلق مقابل
جميلة :لحظة العشق ،لحظة الوصال بالأحبة زمن العفاء والفناء»(.)11
ليصبح الشاعر وج ًها لوجه أمام أطلال صماء هي وفي قصيدة أخرى نجد نفس الملمح بأبعاده
نفس أطلال طرفة وأبي نواس( )13التي لا تحير النفسية:
جوا ًبا ،ها هنا ثنائية الحاضر والماضي حاضرة أهاجتك ذكرى من خليط ومعهد
بقوة أي ًضا ،فالحنين الذي يجرف الشاعر إنما يرتد سمحت لها بالدمع في كل مشهد
به إلى الماضي ،يقول بروست« :إن الجنان الحقيقية
هي الجنان التي فقدناها»( .)14والأطلال التي يقف وعادك عيد من تذكر جيرة
عليها ابن الخطيب هي أطلال نفسه التي يبكي من
خلالها زمانه الهارب ،ذلك البكاء الذي يجريه حنينًا نأ ًوا بالذي أسأرته من تجلد
حنانيك من نفس شعاع ومهجة
أوا ًرا إلى الأماكن المقدسة ،فلنستمع إليه مخاطبا إذا لم يحن من بعدهم فكأن قد
الرسول (ص) أسمى رمز للقداسة والطهرانية:
فكم دونهم من مهمة ومفازة
دعاك بأقصى المغربين غريب وأثباج بحر زاخر اللج مزبد
وأنت على بعد المزار قريب(.)15 كأن لم يكن من قبل يومك عاشق
ها هنا تتبدى المفارقة جلية بين نمطين من ولا واقف بالربع وقفة مكمد
الاغتراب :اغتراب مكاني يعضده اغتراب وجودي، ***
ذلك أن الشاعر مكانيًّا مقيم بأقصى المغربين