Page 44 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 44
العـدد 27 42
مارس ٢٠٢1
الشديد على ذكر الأودية والمرابع والأماكن التي كان عن الأندلس.
ورودها في الشعر القديم علامة على اغتراب مكاني وتأسي ًسا على هذا المعطى سأترسم خطى هذه
الكتابات العربية الرائدة التي استطاعت أن تهتدي
أملته ظروف البيئة والمناخ ،وليس هذا الاغتراب
المكاني النابع من الحنين إلى موطن الأحبة سوى إلى هذا التلازم الوثيق بين الاغتراب المكاني
إسقاط لاغتراب آخر ذي طابع عاطفي وجداني»(.)8 والاغتراب الروحي ،يقول منصف عبد الحق في هذا
ضمن هذا البحث سأعمل على مقاربة الطلل في الصدد «ينبغي علينا أن ننتبه للتلازم الذي يجمع
بعض القصائد الصوفية لنقف على أبعاد توظيف بين الرحلة الجغرافية والرحلة الروحية ،فالرحلة
هذا المكون البنائي ،وكيف استطاعت القصيدة الجغرافية لا تمكن الصوفي من رصد تجليات
الصوفية أن تستوعبه وتتمثله في بناءاتها الرمزية، الجمال الإلهي داخل الطبيعة ومشاهدها فقط؛
ولكنها أيضا -وذلك هو وجهها الآخر -تسمح له
يقول ابن الخطيب في إحدى قصائده: باكتشاف خفايا المجتمع الإنساني الواقعي وأسرار
هاجتك إذ جئت اللوى فزوردا المملكة الإنسانية .كما أن الرحلة الروحية كثي ًرا ما
ذكراك أوطان بها وعهودا تضعنا إزاء ممالك مثالية تقابل الممالك الواقعية»(.)6
عاثت بهن يد الزمان فلم تجد ولعل فاطمة طحطح قد انتهت إلى النتيجة نفسها
أعلامهن عن العفاء محيدا في تحليلها لمجموعة من القصائد ،خاصة تلك
إلا مواقد كالحمام جواثما التي اندرجت في سياق الحنين الديني سواء لدى
وترى باظلاف الظباء كديدا ابن الخطيب أم ابن خاتمة( .)7من هذا المنطلق إذن
دمن غديت بهن أخلاف الهوى سأعتبر التمييز بين الاغتراب المكاني والاغتراب
الوجودي تميي ًزا إجرائيًّا فقط ،لن يقعدني عن تلمس
ولبست ريعان الشباب جديدا()9 ذلك الخيط الرفيع الذي يصل بينهما ،ولقد وجدت
الطلل وتحديداته المكانية في هذه الأبيات تتوزع بين في المعراج الصوفي عتبة حوار بين النمطين ،ذلك ما
أسماء الأماكن «اللوى»»،زوردا» ،والتعين المطلق سنقف عليه في حينه.
للمكان« :أوطانا»« ،دمن» وبين المخلفات« :مواقد»،
-1الإغتراب المكاني:
«أظلاف الظباء» .وهذه التحديدات وهي معزولة
تشير إلى المكان فقط ،لكن رؤية الشاعر استطاعت -1-1الطلل بين الزمنية والرمزية:
وبمهارة عالية أن تنسج من حولها حركية أساسها
يشكل الوقوف على الأطلال لازمة من لوازم
الزمن المرتد من الحاضر إلى الماضي: التجربة الشعرية القديمة خاصة منها الإسلامية
والعباسية ،وقد شكل أحد المدامك الأساسية في
الحاضر هاجتك ذكراك أوطا ًنا وعهودا تشكيل رؤية الشاعر العربي للزمن ،رؤية عكست
وعيه الفاجع إزاء الدهر الذي يتعتع الفرد والجماعة
الماضي عاثت يد الزمان بالأوطان والعهود
ويبقى دائ ًما عصيًّا على الترويض والتدجين
هكذا تأتي الآلة الجهنمية للزمن على المكان على حد والمخاتلة ،من هنا عبر الشعر عن هذا الشعور
سواء (الأوطان /العهود) والنتيجة هي عفاء أعلام
الباطن بالاغتراب ومنه انبثق وصف الرحلة
الأوطان والعهود ،وهذا ما يجعلنا نثمن ما ذهب والقافلة والوقوف على الرسم ،ولعل هذا ما حدا
إليه الباحث حسن البنا عز الدين في قوله« :إن الطلل بالصوفي الأندلسي إلى اصطناع تقنية الوقوف
على الطلل في أشعاره ،بذلك فقط نفهم «إلحاحه
مكان وزمان :مكان يحتوي على الزمان مكث ًفا،
وزمان متمث ًل في تثبيتات مكانية .وأصل الطلل
في اللغة المكان الذي يجتمع حوله الأهل للحديث
والطعام والشراب ،ولكن بمرور الزمن صار يعني
المكان الذي يدل على انفراط عقد هذه الجماعة أو