Page 127 - m
P. 127

‫نون النسوة ‪1 2 5‬‬                                                         ‫بسيطة بألوان مائية طبيعية‪ ،‬لا تعقيد فيها ولا تأنق‪،‬‬
                                                                         ‫وكل هذا من سمات الشعر الذي تنتمي إليه عبير‬
‫خلال المباشرة في الخطاب‪ ،‬والارتكان إلى إبراز هوية‬                        ‫زكي‪ ،‬الشعر الذي تأثر بالرومانسية أكثر من غيرها‬
                          ‫الهامش المقابل للمركز‪:‬‬                         ‫من مدارس التجديد‪ ،‬في زمن كانت فيه سطوة‬
                                                                         ‫الواقعية لا تدانيها سطوة‪ ،‬وإن كان جل أهلها من‬
      ‫«ومبالحاحيصارِدووانلأبفالوولجت ْعح‪/‬توبسالوثبطا متنالمقمختْعر‪ْ /‬ع‪/‬‬  ‫الشعر من أهل اليسار الإيديولوجي من ناحية‪،‬‬
          ‫محاصرون بالضياع بالوداع في المق ْل‪/‬‬                            ‫ومن جيل يكبر عبير زكي بعشرات السنوات من‬
          ‫محاصرون كالدموع في سياج المُعتق ْل‪/‬‬                                                  ‫ناحية أخرى‪.‬‬
                             ‫محاصرون بالملل»‪.‬‬                            ‫«ولي يسهر الأج ُل السرمدي‪ ،‬وتحكي حكاياتها‬
                                                                         ‫كالمرافئ هذي القنادي ُل‪ ،‬تلك السواقي‪ ،‬ظلال‬
  ‫وبالنظر إلى معجم القصيدة (محاصرون‪ ،‬الحياد‪،‬‬                                                     ‫البيو ِت‪ ،‬فرو ُع الشج ْر!!‬
  ‫سوط‪ ،‬قمع‪ ،‬ضياع‪ ،‬معتقل) تظهر لنا أهم ملامح‬                              ‫تستفيق‬  ‫لي‬  ‫الكو ِن‪،‬‬  ‫أنا كل ما قد تبقى لد َّي من‬
   ‫الاتجاه الواقعي الذي ساد على أي اتجاه آخر بين‬                         ‫الطري ُق‪ ،‬ولي يستضيء ويحلو القم ْر!!‬
   ‫ستينيات وثمانينيات القرن العشرين‪ ،‬وهي الفترة‬                                                ‫‪..‬‬
                                                                         ‫ولي تستجيب السما ُء ويغف ُل عن ما يري ُد القدر!!»‬
    ‫التي تكونت فيها الذائقة الشعرية للشاعرة عبير‬                         ‫في هذا المقطع من القصيدة علو شاهق المعنى‬
‫زكي‪ ،‬فجاء أثر هذا التأثير مغل ًفا بالاتجاه الرومانسي‬                     ‫والمبنى‪ ،‬مع توجه الخطاب توج ًها جدي ًدا قل أن‬
                                                                         ‫نجد نظيره في الديوان! والجمل ُمحكمة النس ِج‪،‬‬
  ‫الذي تشربته عبير زكي ومالت إليه أكثر من غيره‪.‬‬                          ‫جليلة الرواء‪ ،‬متماسكة أشد التماسك‪ ،‬بلغت‬
     ‫ما يجعلنا نرى روح العصر الشعري الممتد من‬                            ‫الغاية في قولها (أنا كل ما قد تبقى لد َّي من‬
                                                                         ‫الكون) و(لي تستجي ُب السما ُء ويغف ُل عن ما‬
 ‫‪1990 -1970‬م‪ ،‬في هذا الديوان؛ ما يجعل منه نواة‬                           ‫ُيريد القدر)‪ ،‬وحين ننظر إلى هاتين الجملتين من‬
     ‫صالحة لدراسة الشعر المصري‪ ،‬والعربي‪ ،‬وفق‬                             ‫معنى الديوان الكامن في عنوانه‪ ،‬نجد الجملة الأولى‬
                                                                         ‫‪-‬على حزنها القاتل‪ -‬مملوء ًة بالسكينة والطمأنينة‪،‬‬
  ‫خارطة زمانية‪ ،‬تلاحمت فيها المدارس والاتجاهات‪،‬‬                             ‫ما يجعل من ال َوحدة عالمًا عام ًرا بالجمال‪ ،‬وهو ما‬
      ‫إلى أن وصلت مرحلة العولمة الثقافية‪ ،‬فتلاشت‬                         ‫تعضده الجملة الثانية‪ ،‬التي تمتلئ بالقوة والزهو‪ ،‬مع‬
     ‫كل الحدود الفاصلة بين الوزن واللا وزن‪ ،‬بين‬                                                ‫سكينة وطمأنينة عابقة‪.‬‬
                                                                         ‫ظهرت ملامح المدرسة الواقعية في هذا الديوان‬
   ‫الجملة الواضحة والمبهمة‪ ،‬بين الرمزية والواقعية‬                                              ‫(نصف احتمال للفرح) في‬
    ‫والكلاسيكية والرومانسية والوجودية‪ ،‬بله‪ ،‬بين‬                                      ‫قصيدة (محاصرون)؛ فبجانب‬
                                                                                               ‫المباشرة في العنوان‪ ،‬ودلالته‬
                              ‫الشعر واللا شعر!‬                                                 ‫الموحية بالأنا والآخر‪ ،‬كانت‬
    ‫وإن كان لا بد من مقطع شعري من هذا الديوان‬                                        ‫القصيدة ‪-‬هي الوحيدة من بين‬
     ‫يلخص كل ما ذهبنا إليه‪ ،‬ففي تدفق بحر الوافر‬                                      ‫قصائد الديوان‪ -‬تتخذ من جلبة‬
  ‫واندفاعه ‪-‬سيما وأنه من أهم البحور التي ارتكزت‬                                                ‫تفعيلة الرجز وحركتها وز ًنا‬
‫عليه عبير زكي في هذا الديوان‪ -‬ما يتيح للشاعرة في‬                                     ‫وإيقا ًعا‪ ،‬وهو البحر الأقدر على‬
  ‫رحلة بحثها عن نصف احتمال للفرح‪ ،‬أن تظهر لنا‬                                        ‫التوظيف السردي من بين جميع‬
 ‫جانب الغياب الكبير‪ ،‬وهو الحزن‬                                                                 ‫البحور التي قام عليها شعر‬
  ‫المتغول على المساحة الكبرى مما‬                                                     ‫التفعيلة‪ ،‬ولا يشاركها في هذا الأمر‬
   ‫تبقى من الاحتمالات‪ ،‬إذ تقول‪:‬‬                                                      ‫غير المتدارك بتفعيلتيه (فعلن)‬
  ‫يؤرقني الوقو ُف على مصيري‬                                                          ‫و(فاعلن)‪ .‬وتكتمل الواقعية من‬

       ‫وأحوالي تزلز ُل في جنو ِن‬
     ‫بلا وط ٍن‪ ،‬و ُيده ُشني بقائي‬
   ‫على اللو ِح المُحطم من سفيني‬
    ‫لهت بمصير َي الأموا ُج حتى‬
     ‫طغت في المو ِج أفواه المنو ِن‬
  ‫سماوات من الوه ِم استضاءت‬
    ‫وأغلق ِت الطري َق على معيني‬
    ‫وسارت بال ُخطى لما استدلت‬
     ‫مصابي ٌح من الزيت اللعينِ‬
   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132