Page 292 - m
P. 292

‫بهاجس الامتثالية والمحافظة‪.‬‬           ‫عبر نقاد مغاربة مثل إبراهيم‬
    ‫فالماضي هنا هو مصدر القيم‬            ‫الخطيب‪ ‬وعبد الله العروي وعبد‬
    ‫والمعايير النقدية‪ ،‬وهو بالتالي‬    ‫الكبير الخطيبي صراحة عن تطلعهم‬
   ‫يحدد هوية الناقد في الحاضر‪.‬‬            ‫إلى خطاب نقدي جديد‪ ،‬يتبنى‬
    ‫الناقد المحافظ هو الناقد الذي‬     ‫الحداثة والتجريب‪ ،‬متحرر من سلطة‬
    ‫يخضع لنماذج نقدية سابقة‪.‬‬             ‫الإيديولوجية‪ ،‬التي هيمنت على‬
  ‫لقد كان خطاب الإحياء في النقد‬          ‫النقد الذي كتب ضمن ما أسماه‬
‫المغربي الحديث محكو ًما بهواجس‬          ‫مريمي بـ‪" :‬الخطاب الإيديولوجي"‬
 ‫وانشغالات المثقف في تلك الفترة‪،‬‬      ‫حيث بدأ الخطاب النقدي في المغرب‬
‫ذلك المثقف الذي كان مشدو ًدا إلى‬       ‫يتجه إلى صياغة بديل نقدي جديد‪،‬‬
  ‫قيم الوطنية والقومية والأصالة‬        ‫يحرر الممارسة النقدية من سلطة‬
‫والخصوصية‪ .‬لقد كانت الممارسة‬
                                             ‫الإيديولوجيا والسياسة‪.‬‬
        ‫النقدية محكومة بهاجس‬
‫الامتثالية والمسايرة‪ ،‬الناقد الممتثل‬  ‫والمغربة‪ ،‬ليلي ذلك إنشاء الجامعة‬    ‫الهوية الوطنية‪ ،‬العروبة والوحدة‬
                                            ‫المغربية سنة ‪ .1958‬وعلى‬               ‫الوطنية‪ .‬أما على المستوى‬
  ‫هنا هو الناقد الذي يخضع بهذا‬
    ‫الشكل أو ذاك لنموذج سابق‪،‬‬             ‫المستوى الثقافي كانت التبعية‬        ‫التعليمي فقد حاول المستعمر‬
                                        ‫للمشرق شبه مطلقة إلى حدود‬               ‫صنع نخبه الخاصة بجانب‬
 ‫باعتباره ناقد الماضي‪ .‬ويفترض‬           ‫سنوات الستين‪ ،‬ولعب الإعلام‬         ‫التفرقة بين أبناء الشعب الواحد‪،‬‬
 ‫الامتثال بهذا المعنى وجود سلطة‬         ‫المشرقي دو ًرا مه ًّما في ترسيخ‬        ‫وذلك من خلال تنويع أنماط‬
                                       ‫هذه العلاقة قبل ظهور الصحف‬             ‫التعليم بين تقليدي وعصري‬
      ‫الصواب والخطأ‪ ،‬ترسم له‬          ‫الوطنية‪ ،‬وفي طليعتها «السعادة»‪،‬‬      ‫وتشجيع التعليم البربري بجانب‬
   ‫الطريق الذي ينبغي أن يسلكه‪.‬‬          ‫مجلة «المغرب»‪ ،‬جريدة «العلم‪،‬‬         ‫التركيز على تعليم أبناء الأعيان‬
                                      ‫رسالة المغرب»‪ .‬كما ظهرت بعض‬           ‫لخلق نخبة أرستقراطية‪ ،‬عوامل‬
  ‫النسق الأيديولوجي‬                       ‫المجلات الأدبية المختصة مثل‬     ‫أفرزت حسب صاحب المقال تعليم‬
     ‫(‪)1980 -1970‬‬                       ‫«رسالة الأديب»‪ ،‬مجلة «القصة‬         ‫استعماري طبقي غير متجانس‪،‬‬
                                       ‫والمسرح»‪« ،‬آفاق»‪« ،‬أقلام»‪ .‬كما‬            ‫وهو ما تصدت له الحركة‬
      ‫يعني النقد الإيديولوجي في‬       ‫تطور الأداء الصحفي الأدبي من‬        ‫الوطنية من خلال إقامة مدارسها‬
 ‫بعض مما يعنيه التحليل والتقييم‬          ‫خلال إصدار الملاحق الثقافية‬          ‫الحرة ذات الصبغة العصرية‬
  ‫النقدي للأفكار والأيديولوجيات‬         ‫لبعض الجرائد الوطنية‪« :‬العلم‬          ‫المتحررة من هيمنة المستعمر‪،‬‬
                                                                                 ‫لينشئ النظام المغربي بعد‬
  ‫التي تؤثر في المجتمع‪ .‬يستخدم‬               ‫الثقافي»‪« ،‬المحرر الثقافي»‪.‬‬   ‫الاستقلال اللجنة الملكية لإصلاح‬
       ‫أدوات النقد الأدبي والنقد‬          ‫في هذا السياق العام ‪-‬حسب‬              ‫التعليم‪ ،‬بناها على مرتكزات‬
         ‫الاجتماعي لتحليل وفهم‬             ‫صاحب المقال‪ -‬نشأ خطاب‬           ‫أربع‪ :‬التعريب‪ ،‬التعميم‪ ،‬التوحيد‬

   ‫الأفكار السائدة والتي تؤثر في‬            ‫الإحياء الذي كان محكو ًما‬
    ‫السياسة والاقتصاد والثقافة‪.‬‬

      ‫وبدأ في الفترة التي هيمنت‬
  ‫فيها الاتجاهات العقدية الكبرى‬
‫وخصو ًصا الوجودية والماركسية‬
   ‫والتي أفرزت ما سمي بالمثقف‬
‫العضوي؛ الذي ينتج خطا ًبا تطغى‬

     ‫عليه الحماسة الإيديولوجية‬
    ‫القائمة على المقايسة الصورية‬
   287   288   289   290   291   292   293   294   295   296