Page 90 - m
P. 90
العـدد 58 88
أكتوبر ٢٠٢3
لم تكن تحتاج لأن تلتحق بالشرطة النسائية ،خلقت
شرطة نسائية شعبية ،وأصبح الداخلات لها لمعالجة
القضايا أكثر من الذين يدخلون النقطة نفسها،
والمأمور يقترح أثناء عزومة فاخرة أن تمنح رتبة
شرفية نظير مجهوداتها في ضبط الأمن وإقامة
الولائم الفاخرة.
عاشت في الدور ،عاشت به ،وزوجها كما هو يعيش
بالعرض كما كان يلعب بالعرض.
فجأة مات ،أوقف سيارة في طريق العودة من
مأمورية في القاهرة ،كان سائقها بلا رخصة ،اعتقد
أنه سيقبض عليه فزاد سرعته ،وهو أراد أن يعود
لابنه الوحيد بسرعة ،تحرك بغشم الطفولة لا سلطة
البدلة في اتجاه السيارة فرحل في لحظة.
ربما أوجعها الموت ،لكن ما أوجعها أكثرغيابه عن
مقعده أسفل كنبة الزعامة ،غاب شعبها مرة واحدة،
ربما أول شعب في التاريخ يرحل ويترك زعيمه،
تفيق من النوم كأنه كان كابو ُسا ومضى ،تنسى
ما حدث وتصعد فوق الكنبة ،لا تسمع هتافات ،لا
تسمع تصفي ًقا ولا ترى سوى أشباح أحلامها.
تكاد تجن ،تستعيد كل اللحظات ،تفرد كفها وهي
تجلس وحدها أو وهي بين الناس تجدها فارغة.
غاب الشعب وضاع الميكروفون.
أنظر إليها غير متعاطف معها بالمرة ،أضاعت زو ًجا
من العيار الحنون البديع ،تكاد تسبه ،أضاع عليها
بموته فرصتها ،كان يجب ألا يموت الآن ،قبل أن
يصبح مدير الأمن وهي مديرته ،وتصعد على أكتاف
أحلامها ،أراها بائسة لم تستطع أن تركب شرها
الجميل لنهاية الطريق ،حرن منها كحمار غبي
رمى حمولته في المنتصف ،نعم بائسة ،لم تستمتع
بالعيش تحت جناحه ولا بجناحين يرفرفان م ًعا،
فقط مشت خلف شهوتها ،عيونها حاضرة وبكاؤها
اختفى ،ما غاب يحتاج لآبار من المدامع.
الأحلام بطيئة في هذا الوقت ،بل ميتة ،ربما لا تبكي
عليه فقط بل تبكي على نفسها ،لكن أجمل ما فيها
أنها الوحيدة التي تحلم ،حتى ولو كانت أحلامها
على مقاس مخها.
تحاول أن تستعيده ،توقن أنه مات هر ًبا منها وهو
الخفيف على الروح والموت ،ما من مرة طلب طعا ًما
معينًا ،يأكل ما يقرره القائد ،والقائد يطبخ الملوخية