Page 67 - merit 50
P. 67

‫‪65‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                             ‫قالت الأديبة السمينة‪:‬‬                ‫دارت الأقداح والهمسات والثرثرات الخافتة‪.‬‬
    ‫‪ -‬آاااه‪ ،‬اكتشفت اليوم أن زوجي على علاقة عاطفية‬           ‫وتضوع المكان بموسيقى ناعمة تأتي على استحيا ٍء‬
   ‫بفتاة رشيقة تصغرني بأعوا ٍم عديدة‪ ،‬قلت له طلقني‬
 ‫وسترى كم عدد الرجال الجوف الذين ينتظرونني عند‬                           ‫صاعد ًة هابطة من رك ٍن بعيد لا ُيرى‪.‬‬
                                                                    ‫رحب الكاتب الكبير بضيوفه ورفع كأسه‪:‬‬
                                          ‫الباب»!‬
                                ‫قالت التي بقربها‪:‬‬                                              ‫‪Cheers -‬‬
‫‪ -‬اليوم أنهيت روايتي الجديدة الضخمة التي هي سيرة‬                                  ‫وبدأت الأحاديث الجانبية‪.‬‬
‫ذاتية عن خياناتي لكل أزواجي السابقين‪ ..‬آه من هؤلاء‬                           ‫كانت إما كالصم ِت لا معنى له‪..‬‬
             ‫الجوف يخوننا ولا يريدون لنا خيانتهم!‬                                 ‫أو كأصوا ٍت عالية مجففة‪.‬‬
       ‫ولم تنته حكاياتهن عن الخيانات الزوجية في كل‬                             ‫أو كضحكا ٍت متقطعة متهكمة‪.‬‬
               ‫أحاديثهن حين قاطعهن الكاتب الكبير‪:‬‬                         ‫وحده الكاتب الكبير كانت ابتسامته‬
  ‫‪ -‬قبل أن نذهب للعشاء سألقي عليكم هذا المقطع من‬                              ‫تحكي صو ًتا آتيًا من الأعماق‪..‬‬
                                                                  ‫ممس ًكا بقصائد اليوت في قبضة يده اليمنى‪..‬‬
                                   ‫قصيدة اليوت‪:‬‬                                 ‫محش ًّوا قلبه بالفرح المحزون‬
                             ‫“نحن الرجا ُل الجوف‬                              ‫ممعنًا النظر فيما تقوله الكنبات‬
                           ‫نحن الرجا ُل المحشوون‬
                                                                                                ‫والجدران‬
                                     ‫منحنون م ًعا‬          ‫تنتقل أذنه اليمنى نحو كنبة الأكاديميين المحشوة عن‬
                  ‫خوذ ٌة محشو ٌة بالتبن‪ .‬واحسرتاه!‬
                                                                                                   ‫آخرها‬
                            ‫أصواتنا المُ َجففة‪ ،‬عندما‬                            ‫يأتيه حديث محشو بالقش‪:‬‬
                                      ‫نهمس م ًعا‪،‬‬         ‫‪ -‬اليوم أوصيت لجنة المناقشة بمنح الدكتوراة للطالب‬
                                                          ‫الذي استشهد بنصف كتابي النقدي القديم في رسالته‬
                                ‫صامتة وبلا معنى‬           ‫النقدية الطموحة‪ ..‬وشعرت بالامتنان بقدرته الفذة على‬
                           ‫مثل ري ٍح في عش ٍب ياب ٍس‬                         ‫سرقتي دون أن أعلم‪ ،‬ثم علمت‪.‬‬
                  ‫أو أقدا ِم جرذا ٍن على زجا ٍج مكسو ٍر‬
                                                                                              ‫قال أحدهم‪.‬‬
                                  ‫في قبونا الجاف‬         ‫ويسمع حين يرد عليه زميله الجالس بقربه‪« :‬سأشجع‬
                    ‫شك ٌل بلا صورة‪ ،‬شب ٌح بلا لون‪،‬‬
                     ‫قو ٌة مشلولة‪ ،‬إيماء ٌة بلا حركة”‬        ‫كل طلابي على الاقتداء وممارسة سرقة كتبك الفذة‬
   ‫‪ -‬ربما تكون هي أفضل المقبلات لطعامنا الخالي من‬            ‫يا صديقي كي أتمكن من أن أوصي بمنحهم درجة‬

                                 ‫الدسم هذه الليلة‪.‬‬                                        ‫الدكتوراة أي ًضا»‪.‬‬
           ‫وتقدمهم نحو المائدة مرحبًا بهم من جديد‪.‬‬             ‫وحين أدار الكاتب الكبير أذنه اليسرى نحو كنبة‬
                                                                ‫التكنوقراط سمع حديثًا خافتًا محش ًّوا بالتراب‪.‬‬
                                              ‫‪...‬‬           ‫‪ -‬أرسيت اليوم مناقصة الجسر البحري على المقاول‬
   ‫عندما حانت ساعة مغادرتهم طلب الكاتب الكبير أن‬             ‫(س) عندما جاءتني توصيات ُعليا‪ ،‬بالرغم من عدم‬
     ‫يتخلص الأكاديميون السمان من أرديتهم اللحمية‪،‬‬           ‫كفاءته ونقص القوى العاملة لديه وخبرته القصيرة‪.‬‬
  ‫ومن التكنوقراط أن ينزعوا جلودهم عن عظامهم‪ ..‬أما‬
 ‫الأديبات فعليهن أن يتركن آهاتهن مسكوبة كاللبن عند‬                              ‫صاح زميله الذي كان بقربه‪:‬‬
                                                         ‫‪ -‬أنا اليوم في تقريري الهندسي وضعت الخطأ على ثقل‬
                                        ‫أقدامهن‪.‬‬
  ‫ثم طلب المصعد للرجال الجوف الذين بدوا أمامه تلك‬          ‫حمولة الشاحنات التي دفنت بسائقيها تحت الكوبري‬
                                                           ‫الطويل المنهار‪ ،‬وشطبت صيغة الخطأ الفني الآيلة إلى‬
    ‫اللحظة هياكل عظمية مرتجفة‪ ،‬وحشرهم جمي ًعا في‬         ‫المقاول الذي بناه حين عرفت أن له علاقة قرابة بجها ٍت‬
    ‫جوفه ضاغ ًطا على زر ‪ Sky‬بد ًل من الضغط على الـ‬
                                                                                                     ‫عليا‪.‬‬
                                       ‫‪.Ground‬‬            ‫اعتدل رأس الكاتب الكبير وتوجه مبتس ًما بكلتي أذنيه‬
   ‫أما النساء فهرولن بأرجلهن فزعات إلى الأسفل عبر‬
‫السلالم‪ ،‬وآهاتهن ورائحة آباطهن تتصبب عند أقدامهن‪.‬‬              ‫إلى كنبة الأديبات الوسطى فسمع حديثًا محش ًّوا‬
                                                                                                 ‫بالآهات‪.‬‬
   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72