Page 277 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 277

‫‪275‬‬      ‫ثقافات وفنون‬

         ‫تاريخ‬

‫حياته الدنيا‪ .‬وكان الملك (زوسر)‬    ‫السعادة والفرحة كل أبناء شعبه‪،‬‬        ‫الحبوب لم تعد وفيرة‪ ،‬البذور‬
  ‫قد بنى مقبرته الأولى على شكل‬          ‫فقادهم (زوسر) في حملات‬             ‫جفت‪ ،‬كل شيء يملكه الفرد‬
 ‫مصطبة كبيرة الحجم من الطوب‬                                                ‫ليأكله أصبح بكميات مثيرة‬
  ‫اللبن إلى الجنوب من قرية (بيت‬     ‫لتوسيع ملكه حتى سيناء‪ ،‬وبلاد‬             ‫للشفقة‪ ،‬كل شخص حرم‬
   ‫خلاف) الحالية على مقربة من‬          ‫النوبة وحطم الليبيين وسجل‬
                     ‫(أبيدوس)‪.‬‬                                           ‫حصاده‪ .‬لا يمكن لأي شخص‬
        ‫وقد أراد وزيره المهندس‬      ‫كل هذه الانتصارات‪ ،‬إلا أنه رغم‬     ‫أن يمشي أكثر؛ قلوب كبار السن‬
    ‫(إيمحوتب) بناء مقبرة مميزة‬     ‫ذلك ظل يشعر أنه لم يخلد ذكراه‬
    ‫للملك (زوسر)‪ ،‬وأراد لها من‬     ‫مثلما فعل جده الأكبر الملك (مينا)‬      ‫حزينة وسيقانهم انحنت متى‬
    ‫الفخامة ما يميزها عن غيرها‪،‬‬    ‫عندما وحد مصر في دولة واحدة‪.‬‬            ‫جلسوا على الأرض‪ ،‬وأيديهم‬
   ‫فظل ذلك المهندس العالم الكبير‬                                         ‫أخفت بعي ًدا‪ .‬حتى خدم المعابد‬
     ‫يفكر كثي ًرا كيف يرد الجميل‬       ‫وكانت المقابر على هيئة حفرة‬      ‫يذهبون‪ ،‬المعابد أغلقت والملاجئ‬
    ‫لسيده الذي حقق لمصر النماء‬     ‫صغيرة تحفر في رمال الصحراء‪،‬‬            ‫غ ّطيت بالغبار‪ .‬باختصار‪ ،‬كل‬
 ‫والخير‪ ،‬وحفظ شعبها وحدودها‬        ‫أو حجرة ضيقة تنحت في صخور‬
   ‫بأن صد هجمات الأعداء الغزاة‬      ‫الجبال‪ ،‬ولم يكن ما يعلوها يزيد‬           ‫شيء في الوجود أصيب”‪.‬‬
     ‫المعتدين عنها‪ ،‬وأخذ كل ليلة‬                                         ‫فجاءه الرد من (خنوم) حسب‬
 ‫يخرج إلى الفضاء الرحب يناجي‬         ‫عن كومة من الحصى‪ ،‬أو لوحة‬         ‫النقش‪“ :‬أنا سأجعل النيل يرتفع‬
     ‫السماء راجيًا أن يحقق ما لم‬      ‫تحمل اسم صاحب المقبرة‪ ،‬إلا‬        ‫لك‪ .‬لن تكون هناك سنوات أكثر‬
 ‫يحققه غيره‪ ،‬إلى أن هداه تفكيره‬        ‫أن هذه المقابر تطورت تطو ًرا‬
 ‫إلى أن يخلِّد مليكه بإنشاء مقبرة‬  ‫كبي ًرا خلال حكم الأسرتين الأولى‬        ‫عندما يخفق الغمر في تغطية‬
   ‫ذات طابع خاص‪ ،‬مقبرة تخلده‬         ‫والثانية‪ ،‬فشيد المعماريون أعلى‬      ‫أي منطقة من الأرض‪ .‬الزهور‬
    ‫بين الخالدين العظام‪ ،‬وتجعله‬     ‫موضع الدفن عد ًدا من الحجرات‬       ‫ستورق‪ ،‬وتنحني جذوعها تحت‬
   ‫وبحق فرعون مصر العظيمة‪.‬‬                                             ‫وزن غبار الطلع”‪ ،‬وحققت مصر‬
 ‫ذات مساء مظلم في ليلة لم يبد‬           ‫تحوي كل ما يوضع لخدمة‬          ‫نهضة جديدة‪ ،‬وعاش أبناء النيل‬
                                       ‫المتوفى‪ ،‬ويزداد عدد الحجرات‬       ‫في باقي عهده في رخاء‪ ،‬وعمت‬
 ‫فيها القمر ضيا ًء بينما يجلس‬      ‫كلما ازداد ما كان يملكه المتوفى في‬
‫الملك (زوسر) على عرشه يفكر‬
 ‫فيما فعل‪ ،‬والمعارك التي انتصر‬

 ‫فيها‪ ،‬والتي فاقت كل أسلافه‬
 ‫وأجداده‪ ،‬لكنه رغم‬

  ‫ذلك يشعر أنه‬
  ‫ما خلد ذكراه‪،‬‬
 ‫فاجأه مهندسه‬

‫إيمحوتب‬                                                                ‫معبد سرابيوم سقارة‬
   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282