Page 280 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 280
العـدد 38 278
فبراير ٢٠٢2
بكامل شخصيته ،وتعيش فيه في الأعياد والمواسم القرابين، ما كانوا ينتفعون به في حياتهم
إلى الأبد ،وتنهض مع الجسد وهذه الأبواب ليست أبوا ًبا اليومية ،معتقدين أنهم سينتفعون
يوم البعث ،وكان الجسد يموت
حقيقية ولكنها تبنى على شكل به ثانية في حياتهم بعد البعث،
ولكن الروح تحيا إلى الأبد، الباب ،يتم حفره في حجر الجانب فقد تصور المصريون الآخرة
ولهذا أراد المصريون تخليد الغربي من المزار .وتكون ُحجرة على غرار الحياة الدنيا ،مما يدل
الجسم بتحنيطه ليعيش إلى الأبد، الدفن دائ ًما خلفه .وبذلك تتمكن على حبهم للدنيا وتعلقهم بها،
حتى تجده الروح وتخلد فيه، روح الميت التي تسكن في موميائه على عكس الفكرة السائدة لدى
ولأجل المحافظة عليه وضعوه من اختراق هذا الباب ،والدخول بعض الباحثين أنهم كرهوا الحياة
في مقابر محصنة تباعد بينه وأحبوا الموت .وسبق أن ُذكر
وبين اللصوص وتمنعهم من إلى المزار للاشتراك مع الأهل أن المصريين اعتقدوا أن الملك
الوصول إليه ،كما عمدوا إلى والأصدقاء في الاحتفالات والتمتع هو الوسيط بين الناس والآلهة،
بناء هذه المقابر أو حفرها في بقربهم ،وكان أجدادنا يدعون هذه وأن النعم الأخروية شأنها شأن
الجهات الجافة أو الجبلية؛ لكي النعم الدنيوية كلها في يده ورهن
تكون بعيدة عن الرطوبة .وكان الروح (الكا). مشيئته ،ومن هنا أصبح أهم
القرين أو (الكا) يلازم المكان الذي وحكاية (الكا) هذه أن أجدادنا مظهر لرضاء الملك على أحد أتباعه
وضعت فيه الجثة في حجرة الدفن كانوا يعتقدون أن جسم الإنسان يتمثل في هبة جنائزية سواء
في المقبرة ،ولم يكن يغادرها إلا مكون من جملة أجزاء ،لكل جزء كانت مقبرة أو جز ًءا من مقبرة أو
عن طريق الباب الوهمي ليدخل منها وظيفته الخاصة .وأهم هذه تمثا ًل ،أو با ًبا وهميًّا ،أو غير ذلك
إلى المزار. الأجزاء :الجسم ،وهو الجزء من الهبات الجنائزية.
وتم الاحتياط لفناء الجسد بأي الظاهر المنظور .و(البا) ،وهي وقد تصور المصريون أن (البا)
الروح السماوية التي صوروها تتردد على المقبرة من آن لآخر
سبب من الأسباب .فصنعوا على شكل طائر له رأس إنسان لتزور الجسد ،ويمكن أن نسميها
التماثيل ،ووضعوها في المقبرة وهي تغادر الجسد بعد الموت إلى النفس ،التي تخيلها المصريون
لتحل فيها (الكا) بد ًل من الجسد السماء حيث تسكن في النجوم،
إذا ما ُس ِرق أو فني ،أو اختفى ثم تعود إلى زيارة الجسم بين آن في شكل طائر أو بجسم طائر
لأي سبب ما حتى يحيا منع ًما وآخر .و(الكا) أو (القرين) وهو ورأس إنسان ،تطير بعد موت
في قبره .وأكثروا من صناعة أهم هذه الأجزاء .وهو الروح صاحبها إلى طبقات الجو ،ولكي
هذه التماثيل لأنها كلما كثرت المادية التي تولد مع الإنسان، تعيش هذه الروح ولا يتطرق
وتكبر مثله ،ولا تموت بموته ،بل إليها الفناء كان على أهل الميت أن
تأكدوا من خلود روحهم إلى تظل قريبة من جثمانه وتحوم يضعوا المأكل والمشرب في قبره؛
الأبد ،وسميت هذه التماثيل حول المقبرة ،وقد ُصنعت من لكي تتغذى هذه الروح ولا تموت
بتماثيل (الكا) .وكانت توضع في مادة خفيفة لا ُترى ،مثل الأثير لأنها أمينة مخلصة للجسد تبقى
أماكن خاصة بها عرفت فيما بعد أو الهواء ،وتكون صورة مطابقة معه وتجلس بجواره ،وكان الميت
باسم (السراديب) وهي حجرة لشكل صاحبها تما ًما .فكان قرين عب ًدا للأحياء ،فإذا ما تأخر أهله
صغيرة مشيدة من جهاتها الأربع الطفل طف ًل ،وقرين الشيخ شي ًخا، في تقديم القرابين والمأكولات
ومسقوفة ،وليس بها منفذ غير بل كان قرين الأعور أعور ،وقرين
ثقب صغير يمكن زائر المصطبة والمشروبات لروحه تعذبت
من أن يرى التمثال منه ،وهذا الأعمى أعمى. تلك الروح وماتت جو ًعا ،ولهذا
الثقب يحفر في الجدار الخارجي ولم يكن الأجداد المصريون فقد جعل المصريون القدماء في
للسرداب ،ويختلف ارتفاعه من يعتقدون أن الموت هو نهاية مقابرهم مزارات تتضمن أبوا ًبا
سطح أرض الحجرة باختلاف الحياة؛ لأن (الكا) تحل بعد الموت وهمية يحمل إليها الأهل والأقارب
في الجسد وتأخذ شكله وتحتفظ