Page 285 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 285

‫‪283‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأى‬

     ‫يكون على أحد حالين‪ :‬إما أن‬     ‫سقراط الرجل المؤمن لها زاويتان؛‬          ‫شخص‪ ،‬ولمرة واحدة فقط‪ ،‬تفتح‬
‫يصبح عد ًما ولا يكون له إحساس‬       ‫أولا زاوية التأمل في الحياة بحيث‬         ‫لنا محاولة من التأمل حوله‪ .‬وفي‬

  ‫بأي شيء كان‪ ،‬وإما‪ ،‬بحسب ما‬           ‫تحياها بمسلك أخلاقي‪ .‬وثانيًا‬            ‫المقابل الحياة التي يعيشها كل‬
   ‫يقال‪ ،‬أنه يحدث تحول وهجرة‬        ‫زاوية الاستعداد للموت من خلال‬              ‫شخص تفتح له أي ًضا محاولة‬
   ‫للنفس من هذا المكان إلى مكان‬      ‫التأمل الأول‪ ،‬مع أن سقراط كان‬
    ‫آخر‪ .‬وإذا كان الموت هو عدم‬      ‫يدعي عدم معرفته الموت‪ ،‬لا سيما‬               ‫من التأمل حولها‪ .‬لكن أيهما‬
                                                                             ‫أكثر طغيا ًنا على تأملات الفرد في‬
    ‫الإحساس بأي شيء كما هو‬             ‫وأن هذا كان جز ًءا من تعاليمه‬
  ‫الحال في النوم عندما ينام المرء‬     ‫وهو (لا أعرف)‪ .‬ورؤية سقراط‬                                   ‫وجوده؟‬
   ‫ولا يرى أي شيء ولا حتى في‬                                                    ‫سقراط‪ ،‬هو المثال الأول دائ ًما‬
‫الحلم‪ ،‬فلكم سيكون الموت مكسبًا‬          ‫هذه تتجلي بوضوح من خلال‬                 ‫عندما نفتح حديثًا عن فلسفة‬
 ‫مده ًشا‪ ،‬وإني لأعتقد أنه إذا كان‬     ‫حياة الفضيلة المرجوة لديه‪ ،‬لأن‬            ‫الموت‪ ،‬انفتاحه حول ما يخبئه‬
                                     ‫عدم اتباع تلك الفضيلة معناه أن‬          ‫الموت لا ُيحسب له فقط كوسيلة‬
    ‫لأحد أن يختار بين تلك الليلة‬                                               ‫لمنع الخوف من احتمال الموت‪،‬‬
 ‫التي ينام فيها بدون أن يرى أي‬          ‫يلتقي الإنسان بالشر‪ ،‬والتقاء‬        ‫لكنه أي ًضا انفتاحه على الموت لكي‬
                                          ‫الإنسان بالموت عند سقراط‬          ‫يبدو وكأنه حالة جذابة ومرغوبة‪،‬‬
    ‫حلم؛ والليالي والأيام الأخرى‬                                               ‫ونهاية مثالية ومستحقة لحياة‬
 ‫من حياته نفسها‪ ،‬وإذا كان عليه‪،‬‬        ‫أفضل بكثير من التقائه بالشر‪.‬‬         ‫مكرسة للفضيلة(‪ .)1‬يقول سقراط‬
                                      ‫يقول سقراط بعد صدور الحكم‬              ‫في محاورة أوطفيرون أو الدفاع‪:‬‬
    ‫بعد المقارنة مع تلك الليلة‪ ،‬أن‬                                          ‫«ربما قال لي البعض ألا تخجل يا‬
  ‫يقول بعد الفحص كم من الأيام‬                              ‫بإعدامه‪:‬‬           ‫سقراط من انشغالك بهذا النوع‬
                                    ‫«إننا لسنا على حق في رأينا حينما‬             ‫من الحياة الذي بسببه يمكن‬
     ‫والليالي عاشها في حياته هو‬                                               ‫اليوم أن تموت؟ على هذا سأرد‬
   ‫نفسه وكانت أفضل وأمتع من‬           ‫نعتقد أن الموت شر‪ .‬وعندي أن‬           ‫بكلمة الحق التالية‪ :‬أنت لم تصب‪،‬‬
  ‫تلك الليلة‪ ،‬إن أي شخص عادي‪،‬‬        ‫هناك برها ًنا قو ًّيا على ذلك‪ ..‬الميت‬
  ‫بل الملك الكبير نفسه‪ ،‬سيجد أنه‬                                                       ‫أيها الصاحب إن كنت‬
    ‫يسهل عدها بالمقارنة مع بقية‬                                ‫سقراط‬                    ‫تعتقد أنه واجب على‬
  ‫الأيام والليالي‪ .‬فإذا كان هذا هو‬                                                      ‫رجل ذي قيمة مهما‬
  ‫الموت‪ ،‬فإني أقول إنه يعد كسبًا‪،‬‬
  ‫حيث إن كل زمان لا يبدو أطول‬                                                             ‫ضؤلت أن يحسب‬
  ‫من ليلة واحدة‪ .‬من جهة أخرى‪،‬‬                                                              ‫حساب إمكان أن‬
    ‫فإذا كان الموت رحلة خارجية‬                                                            ‫يحيا أو أن يموت‪،‬‬
 ‫من هذا المكان إلى مكان آخر‬                                                               ‫إنما عليه أن يعتبر‬
 ‫يكون فيه كل الموتى‪ ،‬إذا‬                                                              ‫شيئًا واح ًدا في سلوكه‬
  ‫كان صحي ًحا ما يقال‪،‬‬                                                                   ‫وهو إن كان يسلك‬
 ‫فأي خير أكبر من هذا‬                                                               ‫سلو ًكا عاد ًل أم ظالمًا‪ ،‬وإن‬
  ‫يمكن أن يتصور أيها‬                                                              ‫كان عمله عمل رجل فاضل‬
‫المواطنون القضاة‪ ،‬ذلك‬                                                                ‫أم شرير»(‪ .)2‬بذلك يرى‬
   ‫أنه إذا كان الواصل‬                                                               ‫سقراط أن الإنسان الذي‬
   ‫إلى هاديس يتخلص‬                                                                  ‫يحيا حياة فاضلة وعادلة‬
                                                                                        ‫وأخلاقية تؤهله هذه‬
      ‫من هؤلاء القضاة‬                                                                 ‫الحياة لاستقبال الموت‬
 ‫المزعومين ليجد قضاة‬                                                                     ‫دون خوف‪ .‬فنظرة‬
  ‫حقيقيين‪ ..‬وأنا من‬
 ‫جانبي أرغب‬
   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290