Page 287 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 287

‫‪285‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأى‬

 ‫الحر جي ًدا كما في فكر اسبينوزا‪.‬‬                  ‫اسبينوزا‬                ‫الرغم من أنه يتمتع بقوة أكبر‬
   ‫وإنكار خلود الروح الناتج عن‬                                              ‫من الكائنات الأخرى لمقاومة‬
     ‫البعد الديني والسياسي عند‬            ‫تأمل في الموت هي الحقيقة‬
                                    ‫النهائية المرتبطة بالخلود الأبدي‪،‬‬     ‫التأثيرات السلبية وذلك بفضل‬
‫اسبينوزا كان تقريبًا عادة ترافقه‬                                         ‫عقلانيته وعواطفه‪ ،‬إلا أن بعض‬
 ‫في كل كتاباته‪ ،‬فقد عبر عن هذه‬           ‫أو الحقيقة الحقيقية بالمعنى‬    ‫التغييرات في نهاية المطاف سوف‬
                                    ‫الأفلاطوني‪ .‬وهذه الغاية تجعلك‬        ‫تطغى على محاولاته وتؤدي إلى‬
              ‫الرؤية عندما قال‪:‬‬
       ‫«إن عقيدة خلود الروح قد‬         ‫تتمكن من الخروج من الحياة‬              ‫زوال جسده وبالتالي عقله‪.‬‬
  ‫تكون أخطر الأفكار اللاعقلانية‬       ‫عن اقتناع وباستعداد تام لهذا‬        ‫«فالقوة التي يثابر بها الإنسان‬
   ‫التي تشجعها السلطات الدينية‬      ‫الخروج طالما ينتظرنا شيء أغلى‬          ‫على الوجود محدودة‪ ،‬وتتفوق‬
    ‫وحلفاؤها لأتباعهم‪ .‬فالإيمان‬                                           ‫عليها بقوة الأسباب الخارجية‪.‬‬
  ‫بالنفس الخالدة يقود بلا هوادة‬         ‫وأثمن‪ ،‬وهذا ما اتخذته أغلب‬
    ‫إلى حياة تحكمها أهواء الأمل‬       ‫الاتجاهات الميتافيزيقية‪ ،‬سواء‬           ‫يعرف الشخص الحر جي ًدا‬
‫والخوف‪ :‬الأمل في المكافأة الأبدية‬      ‫قدي ًما أو حديثًا‪ .‬أما اسبينوزا‬      ‫أنه ميت لا محالة‪ .‬على عكس‬
    ‫في الجنة والخوف من العقاب‬       ‫فالغاية من أن تكون الحياة تأم ًل‬    ‫الشخص الذي يسترشد بالخوف‬
‫الأبدي في الجحيم‪ .‬يمكن أن تكون‬        ‫في الحياة هي أن الغاية بالفعل‬       ‫والعواطف الأخرى‪ ،‬فالشخص‬
   ‫هذه المشاعر حول مصير روح‬            ‫معك الآن؛ حريتك وفضيلتك‪.‬‬          ‫الحر لا يستهلكه هذا الفكر؛ فهو‬
‫المرء في عالم ما قادم؛ قوية للغاية‬  ‫وربما هذا ناتج عن بعد سياسي‬          ‫ليس مهوو ًسا بالموت‪ .‬واحتمالية‬
 ‫وتهيمن على حياتنا العقلانية‪ .‬أي‬      ‫وديني عند اسبينوزا‪ ،‬لأنه مثل‬
    ‫شخص سيفعل أي شيء‪ ،‬أي‬              ‫الأبيقوريين لا يرى خلو ًدا بعد‬            ‫الموت لديه لا تحدد كيف‬
 ‫شيء! لكسب تلك المكافأة الإلهية‬        ‫الموت‪ ،‬فهو ينكر وجود الذات‬        ‫يتصرف‪ ،‬وبالتأكيد لا تدفعه إلى‬
 ‫وتجنب العقاب الإلهي‪ .‬ولتحقيق‬       ‫الخالدة بعد الموت‪ ،‬أو كما يصف‬         ‫الانخراط في أي طقوس خرافية‬
      ‫ذلك يقول الكهنة والخطباء‬        ‫الأبيقوريين المسألة بأن الموت‪،‬‬    ‫من المفترض إما أن تمنع موته أو‬
       ‫والحاخامات إنهم يعرفون‬         ‫أفظع الشرور‪ ،‬لكنه ليس شيئًا‬         ‫تضمن أن يتبعه نوع من النعيم‬
    ‫بالضبط ما يجب على المرء أن‬         ‫بالنسبة لنا‪ ،‬لأننا عندما نكون‬      ‫الخالد‪ .‬الإنسان الحر لا يخاف‬
    ‫يفعله لتحقيق النتيجة الأبدية‬     ‫أحياء‪ ،‬لا نحس بالموت‪ ،‬وعندما‬       ‫الموت‪ ،‬ولا يحزنه التفكير فيه‪ ،‬ولا‬
‫المنشودة‪ .‬نتيجة هذا المزيج القابل‬
  ‫للاشتعال من اليأس بين القوم‬            ‫نكون أموا ًتا‪ ،‬فإننا لا نحس‬       ‫حتى لأنه يعلم أن شيئًا أفضل‬
   ‫العاديين والمعتقدات الخرافية‪،‬‬      ‫بالحياة‪ .‬هذا الدرس الأبيقوري‬      ‫ينتظره في حياة ما‪ ،‬بل لأن الموت‬
‫والخداع الذي يرتكبه رجال الدين‬                                           ‫لا يلفت انتباهه‪ .‬إنه مشغول ج ًّدا‬
 ‫هو طاعة خاضعة من قبل الأول‬             ‫القديم شيء يفهمه الشخص‬
    ‫للأخير‪ .‬يلقي الناس بأنفسهم‬                                              ‫في تقدير الحياة التي يقودها‬
 ‫تحت رحمة الوزراء‪ ،‬ويسمحون‬                                               ‫والتمتع بالحب الفكري الخالص‬
      ‫لهم بإملاء سلوكهم وإدارة‬                                           ‫الذي هو تتويج لإنجازاته‪ .‬تتجه‬
‫حياتهم وحتى نظامهم السياسي‪.‬‬                                             ‫عيون الشخص الحر إلى الجائزة‪،‬‬
   ‫والنتيجة ليست مجرد عبودية‬                                              ‫والجائزة موجودة معه بالفعل‪:‬‬
  ‫نفسية للعواطف‪ ،‬حيث لا توجه‬
   ‫الرغبة العقل بل مشاعر الأمل‬                                                      ‫حريته وفضيلته»(‪.)7‬‬
  ‫والخوف‪ ،‬بل هي أي ًضا عبودية‬                                           ‫ونقطة المفارقة هنا بين اسبينوزا‬
                                                                          ‫وسقراط ومخالفيه أي ًضا تتمثل‬
         ‫اجتماعية وسياسية»(‪.)8‬‬                                           ‫في الغاية النهائية في اتجاه تأمل‬

                                                                            ‫كل منهما‪ ،‬سواء الحياة تأم ًل‬
                                                                             ‫في الحياة نفسها أو تأم ًل في‬
                                                                            ‫الموت‪ .‬فسقراط الذي يرى أن‬
                                                                             ‫الغاية النهائية من أن الحياة‬
   282   283   284   285   286   287   288   289   290   291   292