Page 99 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 99

‫‪97‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫تركت البيجاما التي تلتصق بجسدي في النهار كما‬                 ‫لأقصاها‪ ..‬كم يحتاج منا الضحك لعضلات‪..‬‬
                                       ‫في الليل‪.‬‬             ‫هل سمة المرونة للعضلات كي يكون الابتسام‬

     ‫لم يحتويني ال ُهنا حيث كنت ببيت خالتي‪ ،‬ولا‬                         ‫والضحك تلقائيًّا وسطحيًّا وكاذ ًبا‪.‬‬
   ‫ال ُهناك في بيت أهلي حيث أنا‪ ..‬لم تستطع هنا ولا‬       ‫هل حقيقة هم يضحكون أم يقومون بفعل رياضي‬

      ‫هناك م ِّدي بدم سيَّار بالحياة كأن أقوم بفعل‬           ‫فقط‪ .‬وعدت للمرة التي ضحكت مع عادل‪ ،‬بدأ‬
                         ‫بسيط‪ :‬أن أشلح ثيابي‪.‬‬           ‫الضحك من قلبي‪ ،‬شعرت كيف سكب نبي ًذا في دمي‬
                                                         ‫وصل عقلي فسكر وأمر حبالي الصوتية بالرقص‪..‬‬
 ‫كي أتخذ قرا ًرا بسي ًطا بارتداء أو خلع ثيابي فذاك‬
‫فعل يقوم به غيري دون تفكير‪ ،‬لكنه يسلبني جه ًدا‬                   ‫نعم ترقص الحبال الصوتية عند الضحك‪.‬‬
                                                                 ‫تذكرت ضحكتي وتعجبت‪ :‬كنت أضحك؟!‬
  ‫مترد ًدا بين دفتي العبث‪ ،‬جسدي شبه خامد للحد‬                    ‫فتحت الباب وخرجت هاربة للمرة الثالثة‪.‬‬
         ‫الذي يجعل من غسيل وجهي عم ًل متعبًا‪.‬‬                   ‫في الخارج كان البرد قار ًسا‪ ،‬أحنيت ظهري‬
                                                         ‫ووضعت يدي في جيبي‪ ،‬أردت الحفاظ على طاقتي‬
‫أتمدد على السرير الذي بدأت أش ّم به رائحة عطنة‪،‬‬          ‫لأصل البيت‪ ..‬سرت في الشارع الذي يحوي عمود‬
         ‫تلك هي رائحة الزمن على الجسد الخامل‪.‬‬                ‫إنارة وحيد‪ ..‬شعرت بوحدته الباردة‪ ..‬قلَّة من‬
                                                          ‫الناس في الشارع ورائحة الشواء تترك في معدتي‬
   ‫أحاول إنزال قدمي عن السرير‪ ،‬تلك المسافة بين‬                ‫شعو ًرا بالغثيان‪ ..‬تذكرت أني منذ البارحة لم‬
‫السرير والأرض تبدو كنواس يعيش حالة تردده‪..‬‬               ‫أتناول شيئًا سوى قطعة شوكولا صغيرة مركونة‬
                                                           ‫لسبب لم أعد أتذكره في درج الكومودينو‪ ..‬اشتد‬
      ‫إنزال قدمي يحتاج لكم من الأفكار والأسئلة‬          ‫البرد وتحركت نسمات جعلت جسدي جليدي القلب‬
  ‫المحتارة التي تميل بأجوبتها لبقائي في سري ٍر هو‬           ‫والقالب‪ ،‬والتهيت بفكرة واحدة هي لعن نفسي‬
                                                          ‫طول الطريق على قراري بالخروج والسهر معهم‪.‬‬
   ‫تلل من كثبان رملية تسحبني بكتلتي إلى الغرق‬                ‫حين اتصلت خالتي البارحة وطلبت مني وع ًدا‬
                                        ‫بالرمل‪.‬‬             ‫بالمجيء لأكون معهم في رأس السنة لم أستطع‬
                                                          ‫التملص من محبتها‪ ،‬لأن خالتي تلك امرأة تعرف‬
    ‫الغرق بالرمل هو من أوجه الموت الأكثر عذا ًبا‪..‬‬          ‫متى تحب وكيف‪ ،‬وتملك نظرة تخبرك بها أنها‬
    ‫الغرق بالماء يبدو طر ًّيا‪ ،‬للماء بعد أموم ٌّي‪ ،‬حتى‬  ‫بجانبك‪ ،‬لا بل هي تحب كثي ًرا لأنها امرأة ُتركت على‬
    ‫وأنت تغرق يسقي جسدك ويتسرب سل ًسا إلى‬
    ‫رئتيك‪ ،‬وقد تفتح عينيك فلا ألم ولا عماء‪ ،‬وأما‬                                    ‫هامش الحب طوي ًل‪.‬‬
                                                          ‫وافقت تحت ضغط حبها واعتقادي أنني سأرتاح‬
      ‫الغرق بالرمل ففي كل محاولة شهيق تختنق‬
     ‫وتجرحك حبيبات الرمل‪ ،‬حبيبات تسد فتحات‬                  ‫مما كان ينهش بي ككلب مسعور؛ إنه الضجر‪.‬‬
 ‫أنفك‪ ..‬فمك‪ ..‬طعم الرمل على لسانك شبيه بجفاف‬                  ‫الضجر ذاك الألم المجوف الذي مهما حاولت‬
‫أيامك التي انسلت‪ ،‬تبتلع الرمل فتزيد من إحساسك‬
 ‫بالغثيان‪ ،‬تسعل لتنجي رئتيك فتسحب في شهيقك‬                 ‫مرهمته يزداد إفراغه لمعنى الأشياء والأشخاص‬
 ‫ك ًّما أكبر‪ ..‬أن تفتح عينيك تلك مغامرة لا تفكر بها‪،‬‬      ‫وكل شيء‪ ،‬وأما صوته كما لو أنه نحيب في حالة‬
    ‫حبيبات الرمل على بللور عينيك له وقع مشرط‪.‬‬
‫غريب أنهم لم يستخدموها في المعتقلات والسجون‬                   ‫إعلان طوارئ دائمة يقشعر بدنك بتوتر يقظ‬
                                                                                              ‫ومستمر‪.‬‬
                           ‫كأكثر الأدوات عذا ًبا‪.‬‬
         ‫سرير رملي يغوص بي بكثبان الذكريات‪.‬‬                   ‫في الطريق قلت «هناك»‪ ،‬أي في البيت‪ ،‬سأخلد‬
  ‫«غروب»‪ ،‬الاسم الذي أطلقه عليَّ والدي ظنًّا منهم‬        ‫للنوم‪ ،‬أو أشاهد فيل ًما ما‪ .‬وحين دخلت الـ»هناك»‪،‬‬
      ‫أني سأمارس رومانسيتي عند مشهد يسحر‬
 ‫الأخرين‪ ،‬لكنه لم يمدني سوى بالحزن‪ ،‬في الصغر‬              ‫أصابني الحزن والحنين‪ ،‬تذكرت عادل‪ ،‬ونعق في‬
‫كان سطح البناية بيتًا يضم كل الجيران‪ ،‬يصعدونه‬                ‫داخلي ألف غراب‪ ..‬أشتاقك يا عادل‪ ..‬أشتاقك‪.‬‬
   ‫عص ًرا لنيل قسط من البرودة في يوم حار‪ ،‬كنت‬               ‫دخلت غرفتي‪ ،‬جلست على طرف السرير حيث‬
      ‫أجلس في زاوية لا أتحرك منها‪ ،‬وعند غروب‬
 ‫الشمس تنهال الجمل إعجا ًبا برحيل الشمس الذي‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104