Page 26 - merit 38 feb 2022
P. 26
العـدد 38 24
فبراير ٢٠٢2
في مكان ما ..يقبع عدة أشخاص في مكان ضيق البئر -كل مكان -خيمتها) ،كل هذه الفضاءات لا
ج ًّدا ..لا ضوء فيه ولا ماء. تحضر في بنى النصوص لمجرد التأثيث ،بل هي
لا ينامون ولا يأكلون. عنصر بنائي فاعل يسهم في بناء الصورة المأساوية
للحدث القصصي ،وليس لمجرد التأثيت فقط ،فيعمل
فقط يكتبون في ذاكرتهم عن الشبق الأحمر(.)5 على تعميق إحساس الشخصيات بالحكرة والذل
والثانية بعنوان «أمنية» ونصها: والمهانة ،فالبيت الأسري الذي من المفترض أن
يأوي أفراد الأسرة باعتباره مصدر الأمن والسلام،
كان يسكن تحت ركام جامع قديم.. يتحول في زمن الثورة إلى مصدر للقلق والكآبة
قد انهار ْت مآذنه ،وتحكم ْت أسواره منذ زمن وموطن للدمار ،أو لنقل أنه أضحى مقبرة للأموات
ومرت ًعا لركام الجثث المنسية من خلال قصيصة
قريب.. «طيور الجنة» ،ولا تنحصر سمفونية الموت في هذه
والصحف قد تد َّن َس ْت واحترق ْت.. القصيصة بل تسري ألحانها الحزينة بصمت في
الشيء الوحيد الذي كان يتمناه أن يبقى على قيد
جميع قصيصات الأضمومة.
الحياة، لقد اكتشف الطيب تيزيني جدلية الموت من خلال
مع الأحجار المح َّطمة(.)6 واقع العبث الذي استشرى في بلاد الشام ،ويصف
نتيجة بطش النظام السوري تحول المكان إلى دمار
شامل واستوطن الموت في كل شبر منه ،قاب ًعا الفاعلين من رموز الدمار والقتل قائ ًل« :ما هم
بأردافه البشعة ،وهو ينوء بما أوتي من أسلحة ببشر يعيشون على بوابة الحضارة التي تمسح
فتاكة ودبابات وصواريخ مدمرة ،ويعد السبب بالمدينة ،هم يعيشون خارجها ،تكاد لا تجد في
في مسخ الأمكنة وتشويه المآذن ونسف العمارات مدينة بكاملها بنا ًءا واح ًدا َسلِ َم من التدمير ،هذه
وتحطيم أسوار المدينة وبواباتها الأثرية ،وطمس حالة فريدة ،أن َت أمام جدلية الوجود والموت أو
معالم حضارة برمتها ،وإبادة شعب بأكمله ،ومن
ثم اعتبر المكان في الأضمومة مك ِّو ًنا بنائيًّا مه ًّما في العدم»(.)4
تشكيل الصورة الرمزية بكل عناصرها وتجلياتها أضمومأأأأأأأأأأ
وأبعادها النفسية والاجتماعية والحضارية ،كما يعد في ضوء هذه الصورة البشعة للمكان في
عام ًل محور ًّيا في بناء الدلالات المأساوية للأحداث، الأضمومة ،تنكشف الأبعاد النفسية والاجتماعية
وبلورة القيم الإنسانية البشعة التي خلفها دمار لأبطال الأضمومة ،عاكسة متانة الرباط الوجودي
للإنسان العربي بأرضه وأرض أجداده ،رغم هول
الأمكنة. الحرب ،ووحشية القصف ،ما يزال صام ًدا متسم ًرا
متشبثًا بالمكان ،أمنيته الوحيدة أن يبقى على قيد
خاصية الرمز الحياة مع الأحجار المحطمة التي تظل حاملة في
أحشائها تراب الوطن ،ورغم كل شيء ،فالوطن
على المستوى الفني ،استدعت الأضمومة ك ًّما هائ ًل ساكن في قلوب وضمائر أبطال الأضمومة ،لكونه
من الرموز والإشارات التي تأخذ شكل كلمات رمز الهوية والكينونة ومهد التاريخ والجغرافيا
مفردة ،مثل طائر الفينيق وهو طائر أسطوري ورمز الماضي والحاضر والمستقبل ،فبعد أن فقدت
الشخصيات كل شيء جميل ،يظل المكان حام ًل
يجمع في تكوينه بين النار والماء ،بين الحياة والموت، لأسمى شعور في الحياة ،وهو الشعور المتجذر
يموت لكنه ينبعث من رماده من جديد ،يستدعي بالانتماء جس ًدا وقلبًا ورو ًحا لهذه الأرض المعطاء،
ويبرز هذا الارتباط الوجداني والروحي بالمكان من
العديد من دلالات البعث والتجدد والولادة ،فالسارد خلال قصيصتين :الأولى تحمل عنوان «جرح وطن»
يروي قصيصة البطل المجهول الذي يصدمه الجوع ونصها يقول:
في طريقه لمخيم اللاجئين ،لكنه كان يمني النفس
بحفنة تراب وجرعة كرامة يحملها في جيبه ،وهي
استعارة قائمة على المشابهة ،مساهمة حسب تعبير
بول ريكور في إيجاد التوتر على مستوى المنطوق،