Page 32 - merit 38 feb 2022
P. 32

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪30‬‬

                                                           ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫«أشياء مبعثرة» (المسرح يعج بالأشياء المكسرة)‪.‬‬                                          ‫إذن ليلى ‪ #‬الذئب‪.‬‬
        ‫وقد تتحول النهاية إلى مفارقة تثير دهشة‬                   ‫تخرق المفارقة قانون العلاقات بين الوحدات‬
                                                             ‫المعجمية وتخلق نس ًقا دلاليًّا غريبًا ومتفر ًدا‪َ ،‬أ َّو ُل‬
    ‫القارئ‪ ،‬وعادة ما تكسر أفق توقع القارئ بعد‬                   ‫مستوى فيه َتآ ُل ُف ليلى مع الذئب الذي يوحي‬
   ‫تشكل الحبكة ومرور السارد إلى الحل‪ ،‬ونلمس‬                      ‫بتآلف غير متوقع بين قوى البناء على ساحة‬
                                                                  ‫المواجهة وقوى الهدم والتدمير‪ ،‬ويوحي إلى‬
     ‫توظيفها بكثافة في الأضمومة‪ ،‬ففي قصيصة‬                 ‫هشاشة الكائن البشري وقابليته للتطويع والابتلاع‬
  ‫«الإدمان» تتمنى أسرة السارد لو يبقى حاسوب‬
 ‫السارد معط ًل (جنوح إلى السلبية)‪ ،‬وفي قصيصة‬                                  ‫والاحتواء فكر ًّيا وأيديولوجيًّا‪.‬‬
‫«البرزخ» يمسك السارد بيد صديقه ويصعدان إلى‬                    ‫المستوى الثاني أن ليلى وجدت أمها ماتت‪ ،‬وهذا‬
 ‫السماء (هروب من الواقع ونكوص سلبي وتخلي‬                    ‫معطى سردي مقبول ولا يستدعي دهشة المتلقي‪.‬‬

    ‫عن مبادئ الثورة)‪ ،‬وفي قصيصة «بقايا بيت»‪،‬‬                    ‫المستوى الثالث‪ :‬قرار ليلى تقضية بقية عمرها‬
‫يبحث الزوج عن طفلته وزوجته دون جدوى‪ ،‬وفي‬                     ‫برفقة صديقها الجديد الذئب‪ ،‬وتبدو هنا المفارقة‬
‫نهاية المطاف يجد قل ًما ومحبرة ومن خلالها يرسل‬               ‫صارخة حيث تعاكس ليلى منطق الطبيعة وتخرق‬

     ‫السارد إشارة طفيفة للقارئ مفادها أن البقاء‬                 ‫ناموسها من خلال نسجها لعلاقة صداقة مع‬
   ‫للكلمة وما سواها عرضة للاندثار والفناء‪ ،‬وفي‬               ‫ذئب‪ ،‬وفي هذ الصدد‪ ،‬يرى الدكتور محمد المبارك‬
 ‫العثور على المحبرة إشارة منه إلى التراث والتاريخ‬           ‫أن «الكلمات لم تعد تنبئ بما وجدت له أص ًل‪ ،‬فقد‬
‫والثقافة وهي عناصر كتبت بمداد الفخر والاعتزاز‬               ‫أضفى التركيب عليها سمة جديدة فأصبح معناها‬
  ‫على مدى قرون طويلة‪ ،‬وصمودها في وجه حملة‬                    ‫القاموسي مغاي ًرا لمعناها الجديد دون أن تفقد في‬
   ‫الإبادة التي تشنها القوى المدمرة تكريس لمقولة‬           ‫الوقت نفسه صلتها الوطيدة به‪ ..‬مثل الصانع الذي‬
 ‫«البقاء للأجدر»‪ ،‬وفي قصيصة «بابا نويل»‪ ،‬يختم‬               ‫ح َّور المادة الأصلية وغيَّرها فاختلفت اختلا ًفا بيِّنًا‬
    ‫السارد بحدث طارئ مفاده أن بابا نويل اعتقل‬
                                                               ‫في الشكل والصورة‪ ،‬لكن أصل المادة ظل ثابتًا‪،‬‬
      ‫بتهمة الإرهاب‪ ،‬وفي هذه الحالة فهو مورط‪،‬‬                  ‫بل إن هذا الأصل قد انسجم مع الشكل الجديد‬
 ‫والنهاية مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة‪ ،‬ومن‬            ‫مكو ًنا ائتلافه من خلال بنية التناقض القائمة أص ًل‬
                                                            ‫بين المادة المصنوعة والصورة الجديدة»(‪ .)18‬ولعل‬
    ‫وراء استدعاء المفارقة هنا استدعاء لتناقضات‬               ‫السارد سعى من خلال هذه الائتلاف بين المعنى‬
      ‫الواقع الثوري المشتعل حيث تختلط الأوراق‬                   ‫القاموسي للذئب ومعناه الجديد في الجملة إلى‬
     ‫ويصبح الجميع قاضيًا ومته ًما‪ ،‬طالبًا لثأر أو‬          ‫رسم صورة مأساوية للواقع المعاش بكل مفارقاته‬
                                                             ‫وتناقضاته‪ ،‬مكث ًفا هذه الصورة برموز وإشارات‬
 ‫مطلو ًبا من أجل جنحة لم يرتكبها‪ ،‬فتتحول الثورة‬                 ‫(ليلى‪ -‬الذئب‪ -‬الصديق الجديد‪ -‬أبيها)‪ ،‬حتى‬
   ‫إلى محاكمة عمياء لكل الكائنات وكل المخلوقات‬             ‫يدفع القارئ للتأمل مليًّا في خيوط اللعبة المكشوفة‪،‬‬
   ‫التي تدب على الأرض السورية‪ ،‬إذ الكل متورط‬                  ‫ويشركه في فك لغزها بغاية توريطه في استكناه‬
                                                           ‫خلفياتها واستيعاب حقيقة ما يجري‪ ،‬فآثر توظيف‬
 ‫في لعبتها بريئًا كان أم مته ًما خيِّ ًرا كان أم شري ًرا‪،‬‬
    ‫حتى الدمى والقطط لحقها أذى الثورة فاكتوت‬                             ‫المفارقة المعضودة بالرمز والإيحاء‪.‬‬
                             ‫بنيرانها في صمت‪.‬‬                      ‫وقد تشمل المفارقة بداية القصيصة كما في‬
     ‫إن المفارقة هنا تتلون بلون المأساة والتأسي‪،‬‬                    ‫قصيصة «شهيد» (في عرسه ارتدى بذلته‬
                                                               ‫الحمراء)‪ ،‬وقصيصة «أمنية» (كان يسكن تحت‬
‫فتضفي على الأضمومة مسحة فنية مائزة بفعل ما‬                  ‫ركام جامع قديم‪ ،)..‬وقصيصة «نظرات» (في تلك‬
   ‫تحدثه النهاية المفارقة من دهشة وتوجس وقلق‬                 ‫البلاد‪ ..‬يوجد فقط الشهداء‪ ،)..‬وقصيصة «»أنا‪»..‬‬
                                                              ‫(لم تعد السنونو تطير في السماء‪ ،)..‬وقصيصة‬
‫وجودي وشك في جدوى الفعل الثوري المدمر الذي‬
                          ‫مآله إبادة شعب أعزل‪.‬‬

          ‫تركيب واستنتاج‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37