Page 94 - merit 53
P. 94
العـدد 53 92
مايو ٢٠٢3
بسمة الحاج يحيى
(تونس)
سأراوغها حتى َتِلين
بل لأن الدكتور المشرح هو «امرأة» ،ولأنني أمام وضعت أول جملة أعلى الصفحة:
انبهار البعض وخوف آخرين ،أمسك بالجثة وأقلبها «ملتقى الأدباء العصاميين للقصة القصيرة»
رغم أن العنوان م َط ْمئن ،وأنا عصامية التكوين،
وكأنني أمسك بدمية مسلوبة الإرادة. إلا أنني لم أفهم سبب جزعي ولا التوتر اللذين
أخلع مئزري وأعجب كيف تستعصي عليَّ عملية لزماني ،فحتى لو لم أن ِه مشروع كتاباتي بالآجال
الكتابة أو بعث الحياة لبطل قبل قتله بآخر النص. المحددة وحتى لو لم ترشح قصتي للفوز ،فلي
أعجب من حبكة عصية ،لا تراودني كما يراود قاتل
ضحيته ،وتغيب عني كل الملابسات التي من شأنها أعذاري ،فأنا مبتدئة وما زلت بطور التعلم
أن تؤثث صفحات قليلة لخلق نص يليق بمواصفات والتدرب ،ثم ما يعني أن أكتب قصة؟ فكل النساء
«قصة قصيرة» ،فلا أجرؤ على تكثيف أحداث أبت
قادرات على الثرثرة وحبك الأحداث والإيقاع
أن تسكنني. بأحدهم بنهاية المطاف ..وسأوقع به قبل أن يصير
تبًّا لشروط كتابة القصة! فرغم دقة التقارير التي بط ًل ويدهس بالتالي كل أحلامي ..آخذ نف ًسا عمي ًقا
ثم أخلص إلى حل سليم إذ سأختار شخوص نصي
أقدمها أمام لجنة العلماء وأحيا ًنا لتكملة بحث وسأدعوها لأن تختار أسماءها بمفردها ومن ثمة
بوليسي أو وضع اللمسات التي قد تفتح با ًبا
للقضاء للنظر والبت في جريمة بقيت معلقة أمام سأفسح لها المجال لتتحرك بحرية داخل حدود
صمت جثث لا حول لها ولا قوة ،أجدني عاجزة عن الصفحة البيضاء وما عليَّ إلا أن أنصت إلى شغبها
رسم فصل مشوق ،تما ًما كما أراني أحوم حول
الفكرة ،عاجزة عن رسم مناخ ملائم لبطل أو بطلة وما ستحدثه من ضوضاء وأحداث.
أخلقها من حروف أخلطها وكلمات أنسجها لأهديه أحاول إقناع نفسي دون جدوى ،فربما سني
أو أهديها اس ًما كما تهدى الأسماء لسائر البشر. المتقدمة هي ما يشعرني بالحرج بعدما أمضيت
عجزت كما عجز البحث القضائي بذاك اليوم عن سنوات بالعمل بالميدان الطبي ،وتناسيت هوسي
معرفة الضحية أو اس ِمها وكذلك قاتلِها فبقيت لكتابة الشعر والنثر ،أو ربما بعدي عن الكتابات
«الشابة الفاتنة» لغ ًزا أمام صمت جثتها طيلة ثلاثة الإنشائية أثر على أسلوب كتابتي الذي يميل إلى
أيام قضتها بأحد أدراج ثلاجة المشرحة بالجامعة. تدوين التقارير المفصلة ،فأعجز عن الاسترسال أو
غير أن جمالها الفائق الذي لم يفلح الموت في طمس خلق حبكة تليق بنهاية صادمة أفاجئ بها قرائي،
ملامحه نفض كل الصمت بصدور الحاضرين، ثم تخيلت نفسي أقف خلف المصدح لألقي بلهجة
كانت فاتنة ح ًّقا بملامح بريئة طغت على شبح الموت خالية من كل توتر مقاطع مثيرة بنصي أختمها
بنهاية مفرحة وسعيدة على خلاف ما أراه بعملي من
فمكثت بمرقدها مثيرة لتساؤلات الجميع.
يوم رأيتها ُتحمل إلى المشرحة لم أتوتر كما أراني موت متكرر وأمراض مستجدة.
وضعت القلم جانبًا وانتبهت إلى أنني لازلت أرتدي
الآن متوترة ،مضطربة لخلق بطل وبثه الحياة
ليرتع على صفحاتي البيضاء وينزع عنها صمتها، مئزري الأبيض ،هو ذات المئزر الذي كنت أرتديه
صبا ًحا بالجامعة لما قدمت المحاضرة أمام الطلبة
أطلق له العنان ليرسم بطولاته وما عليَّ بعدها
سوى تكثيف ما سيحدثه من شغب. الذين ينتظرون موعدهم معي بشغف؛ فحصة
تشريح جثث الموتى تثير فضولهم ،ليس لأن
جذبت الكرسي ،جلست أمام مكتبي بغرفة النوم، «الموت» لغز يود الجميع نبش أسراره المخفية