Page 32 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 32
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مـن عـودة سـافرة فـي طريـق تعزيـز الفـروق الطبقيـة الأمـر الـذي يـؤدى لامحالـة إلـى انتشـار حـالات
داخـل المجتمـع .فقـد أصبحـت المنظومـة التعليميـة الإحبـاط النفسـي والخجـل الاجتماعـي ،والـذي يـؤدي
المصريـة اليـوم ــ علـى تعـدد وتنـوع أنظمتهـا (تعليـم فـي النهايـة إلـى ردود الأفعـال والسـلوكيات العنيفـة
لأي مثيـ ارت حياتيـة ،أو مشـكلات اجتماعيـة عـام ،وتعليـم خـاص عربـي ،وتعليـم خـاص أجنبـي،
تواجههـم .ويقـول برهـان غليـون فـي ذلـك محقـا: وتعليـم دولـي ،وتعليـم ديني...إلـخ) ــ مصـد ار رئيسـيا
«لاتعنـي العولمـة تعويـم النظـام الاقتصـادي الوطنـي فـي إنتـاج أشـكال متنافـرة «لـ أرس المـال الثقافـي”،
وحـده ولكـن تعويـم كل النظـم المجتمعيـة ،العلميـة ومـن ثـم لـ أرس المـال الاجتماعـي والاقتصاديلـدى
والثقافيـة والاجتماعيـة والسياسـية مـن دون تمييـز. كل مـن الفئـات الاجتماعيـة التـي تمتلـك والتـي
ففـي سـياقها سيشـعر الفـرد المتمكـن مـن المـوارد بأنـه
لاتمتلـك المـوارد.
أمـام اختيـار لا حـدود لـه فـي جميـع المياديـن وأن مـا الأمر الذي دعم في العقود الثلاثة الأخيرة ظهور
كان مفروضـا عليـه كحقائـق نهائيـة ووحيـدة ،لأنهـا ظواهـر اجتماعيـة سـلبية فـي المجتمـع المصـري بيـن
حقائـق وطنيـة وذات مشـارب محليـة ،ليسـت إلا هاتيـن الفئتيـن الاجتماعيتيـن ،مـن أبرزهـا التنافـر،
نظمـا عاديـة يسـتطيع التخلـي عنهـا أو عـن بعـض والتباعـد الاجتماعـي بينهمـا ،والـذي أدى بـدوره إلـى
أج ازئهـا وقيمهـا؛ ليبنـي -هـو نفسـه -نظامـه
الخـاص بقـدر مـا توفـره لـه العولمـة أو المنافسـة رفـض الآخـر المختلـف ثقافيا،وعـدم قبولـه.
العالميـة مـن مـوارد وقـد ارت وتطلعـات وآمـال .لكـن
الفـرد المحـروم مـن المـوارد سيشـعر -بالعكـس كل ذلـك يقـود فـي النهايـة إلـى افتقـاد المجتمـع إلـى
تمامـا مـن ذلـك -بضيـاع تـام ،وسـيفقد أي علامـة اللحمـة الاجتماعيـة التـي كانـت سـائدة بيـن فئاتـه،
فـي توجهـه العـام وفـي سـلوكه الشـخصي معـا .وهـو والتـي تعـد أحـد العوامـل الرئيسـية لحالـة اسـتق ارر
مـا يهـدد بتعميـم نـوع مـن الفـ ارغ النفسـي والأخلاقـي المجتمـع المصـري وتماسـكه حتـى ثمانينيـات
القـرن الماضـي ،والتـي كانـت ترجـع بالأسـاس
والثقافـي معـا»)18( . إلـى السـياقات الثقافيـة والاقتصاديـة والاجتماعيـة
المتقاربـة التـي كانـت تعايشـها الفئـات الاجتماعيـة،
هـذه الحالـة التـي يعيشـها الفـرد العربـي ،والمصـري والتـي كانـت سياسـات الحكومـات المتعاقبـة هـي
«المحـروم مـن المـوارد» ،أقصـد حالـة «الفـ ارغ
الأخلاقـي والثقافـي» التـي أشـار إليهـا غليـون ،ترجـع الضامـن الأساسـي لهـا)17(.
في واقع الأمر إلى معايشـة هذا الفرد -وأق ارنه في
هـذه الفئـة الاجتماعيـة -لنمطيـن ثقافييـن مختلفيـن، إن الانتشـار الواسـع لمحـال ومطاعـم الوجبـات
بـل ومتعارضيـن :الأول :محلي/تقليـدي ،لايشـبع السريعة الأمريكية( ،والذي يعبر عن تصدير ملامح
ولايحقـق طموحاتـه فـي الوقـت ال ارهـن ،ولكنـه نشـأ أسـلوب الحيـاة الأمريكيـة فـي إحـدى تفصيلاتهـا
عليـه ،وتَمسـك بأصولـه المحليـة والدينيـة ،والثانـي: اليوميـة) يعكـس فـي واقـع الأمـر ش ارسـة وفاعليـة
ُمعولمُ /مأمـرك ،يرغـب فـي اتباعـه ومجا ارتـه ،لأنـه التغلغـل الثقافـي غيـر المـادي للثقافـة الأمريكيـة فـي
النمـوذج الثقافـي للشـ ارئح الاجتماعيـة العليـا فـي كل بقـاع العالـم ،ومنهـا المنطقـة العربيـة ومصـر
مجتمعـه ،إلا أنـه لايسـتطيع اتباعهلكونـه مـن فئـة تحديـدا ،تلـك الثقافـة التـي اقتحمـت حيـاة الفئـات
الاجتماعيـة الفقيـرة والغنيـة علـى حـد سـواء ،وإن
الأفـ ارد «المحروميـن مـن المـوارد». كان التأثيـر السـلبي علـى حيـاة الفقـ ارء أكثـر سـوًءا
مـن تأثيـره علـى حيـاة أبنـاء الأسـر الميسـورة ،نظـ ار
تـؤدي هـذه الحالـة إلـى تخبـط أفـ ارد المجتمـع
لضعـف القـوة الشـ ارئية لهـذه الفئـة.
32