Page 8 - merit 53
P. 8

‫العـدد ‪53‬‬                                                          ‫‪6‬‬

                                                     ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

                                  ‫العبادة‪.‬‬             ‫بداية يخبرنا القرآن أن‬
      ‫وإذا تبصرنا القصة الواردة في الآيات‬                ‫(إبراهيم أبا الأنبياء)‬
     ‫المذكورة‪ ،‬سنجد أنها تصلح مثا ًل عقليًّا‬            ‫استنكر أن يعبد قومه‬
 ‫مب َّس ًطا أكثر من كونها واق ًعا‪ ،‬مثا ًل يوضح‬            ‫الأصنام لأن (عقله)‬
‫–في العموم‪ -‬كيف يمكن للإنسان أن يهتدي‬                    ‫المجرد رفض أن يعبد‬
  ‫إلى وجود (إله) خالق كلي القدرة هو الذي‬
   ‫خلق كل شيء وقدره تقدي ًرا‪ ،‬لكن واقعيًّا‬            ‫حج ًرا لا يضر ولا ينفع‪،‬‬
‫يستحيل للعقل السليم قبول أن إبراهيم نظر‬                 ‫بل لا يدفع الضرر عن‬
   ‫إلى النجم فقال هذا (ربي) وهو لا يتوقع‬
   ‫أفوله بالرغم من أنه شاهدة آلاف المرات‬              ‫نفسه هو ذاته‪ ،‬وبالمقابل‬
‫يبزغ ويأفل قبل ذلك‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة‬              ‫نظر حوله في الكون بحثًا‬
    ‫للقمر والشمس‪ ،‬المنطق البسيط يقول إن‬
 ‫أفولها جمي ًعا ليست مفاجأة‪ .‬أي ًضا لا يفوت‬             ‫عن (إله)‪ ،‬أو بحثًا عن‬
   ‫القارئ (الظاهري‪ ،‬مثلي) هنا الإشارة إلى‬             ‫(الإله) كلي القدرة‪ ،‬يقول‬
    ‫جدارة الشمس بالربوبية من وجهة نظر‬
  ‫إبراهيم بسبب أنها (أكبر)‪ ،‬وهذا يقود إلى‬              ‫في (الأنعام ‪:)80 : 74‬‬
    ‫الروايات التي كانت تقول إن العرب قبل‬             ‫“إذ قال إبراهيم لأبيه آزر‬
   ‫الإسلام كانوا يباهون بعضهم بأن إلههم‬
  ‫(أكبر) حج ًما من الآلهة الأخرى‪ ،‬وأن ذلك‬              ‫أتتخذ أصنا ًما آله ًة إني‬
   ‫–حسب الروايات نفسها‪ -‬جعل المسلمين‬                  ‫أراك وقومك في ضلا ٍل مبي ٍن (‪ )74‬وكذلك‬
    ‫يؤكدون في الأذان أن (الله أكبر)‪ ،‬أي أنه‬
     ‫أكبر من كل الآلهة السابقة التي يباهي‬               ‫نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض‬
                                                       ‫وليكون من الموقنين (‪ )75‬فلما جن عليه‬
                       ‫العرب بعضهم بها‪.‬‬
      ‫لكن الإشارة اللافتة في الآيات ما قاله‬              ‫الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي فلما أفل‬
‫إبراهيم في الآية (‪ « )80‬أتحاجوني في (الله)‬             ‫قال لا أحب الآفلين (‪ )76‬فلما رأى القمر‬
    ‫وقد هدان”‪ ،‬هنا ستجد أن إبراهيم الذي‬
  ‫كان تائ ًها منذ قليل يطلق على (الإله) الذي‬             ‫باز ًغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم‬
‫يبحث عنه اسم (الله)‪ ،‬دون سابق إشارة إلى‬                  ‫يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين‬
‫معرفة (الله) بين قومه‪ ،‬ودون أن يلفت ذلك‬              ‫(‪ )77‬فلما رأى الشمس بازغ ًة قال هذا ربي‬
‫نظر قارئ القرآن والمستمع إليه‪ ،‬لأنه يتلقاه‬             ‫هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بري ٌء‬
‫من منطقة الإيمان بوجود (الله) أص ًل‪ .‬فمن‬                 ‫مما تشركون (‪ )78‬إني وجهت وجهي‬
    ‫أين جاء بهذا الاسم؟ دعني أعود للوراء‬               ‫للذي فطر السماوات والأرض حني ًفا وما‬
                                                       ‫أنا من المشركين (‪ )79‬وحا َّجه قومه قال‬
                                   ‫وأرى‪.‬‬               ‫أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما‬
      ‫في إنجيل يوحنا الباباوي (يوحنا ‪)1:1‬‬              ‫تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئًا وسع‬
    ‫ُذ ِكر اسم (الخالق‪ ،‬الإله) باللغة الأصلية‬         ‫ربي كل شي ٍء عل ًما أفلا تتذكرون (‪.”)80‬‬
   ‫اليونانية‪ ،‬حيث قال‪Εν αρχή� ην ο« :‬‬                  ‫بداية لم تذكر الآية السبب الذي من أجله‬
‫‪λό� γος, και ο λό� γος ην προς τον‬‬                       ‫أراد إبراهيم إل ًها يعبده‪ ،‬بمعنى آخر‪ :‬ما‬
     ‫‪.”Θεό� ν, και Θεό� ς ην ο λό� γος‬‬                 ‫الذي كان ينقصه وأراد أن يكتمل بوجود‬
   ‫وترجمته إلى اللغة العربية هي‪ِ “ :‬ف ا ْل َب ْد ِء‬   ‫إله؟ فالمفهوم في الأديان أن الله خلق البشر‬
                                                          ‫ليعبدوه‪َ “ :‬و َما َخ َل ْق ُت ا ْل ِج َّن َوا ْلِن َس إِ َّل‬
                                                       ‫لِ َي ْع ُب ُدو ِن” (الذاريات‪ ،)56 :‬فالعبادة بهذا‬
                                                       ‫المفهوم إرادة إلهية وليست إرادة بشرية‪،‬‬
                                                       ‫كما أن (الإله) وضع ثوا ًبا عظي ًما (الجنة)‬
                                                      ‫وعقا ًبا عظي ًما (النار) لمن لا يعبده ويعترف‬
                                                          ‫بوحدانيته فلا يشرك معه إل ًها آخر في‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13