Page 28 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 28
الأفلام التسجيلية والوثائقية
بأخرى بكل شيء ،وفي أن المؤث ارت الصوتية والبصرية ،وأنظمة المونتاج اللا خطي يمكنها
تحويل اللقطات الواقعية العشوائية والمقابلات الحية إلى بيان وثائقي د ارمي.
والحقيقة أن هذا الاعتقاد واهم -كما أسلفت – لأنه فيه الكثير من الخلط بين مفهومي الحقيقة
والواقع في إطار الفلسفة ،على اعتبار أن صانع الفيلم عندما يتناول الواقع ،يقصد اظهار أو
الوصول إلى الحقيقة وفقا لقناعة فلسفية ،ينطلق من خلالها في رؤيته لهذا الواقع الذي هو
"مرجع الحقيقة ،فكل ما هو واقعي هو حقيقي" ،وهو أمر إن كان يبدو منطقيا من الناحية
النظرية ،إلا أنه يجانب المنطق من الناحية العملية الانسانية.
لذلك فقد مر مسار السينما الوثائقية بتحولات مهمة في المفاهيم في ما يتعلق بعلاقتها وتعاملها
مع الواقع ،وحكم تطورها في هذا السياق ،اتجاهين:
الاتجاه الاول :يرى أن السينما الوثائقية مرآة تعكس الواقع من دون تدخل المخرج أو
الممثل ،وعّبر عن هذا الاتجاه منظرون كبار مثل الألماني (زيغفريد ك اركاور ،والفرنسي
انريه با ازن).
والاتجاه الثاني :ينظر إلى الواقع لا بوصفه هدفا ،بل طريق للوصول إلى الهدف ،أي
تعبير فني عن الواقع من قبل الفنان ،ولكن من خلال مادة الواقع نفسه التي تُستخدم
كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها ،وأبرز منظري هذا الاتجاه هو المخرج دزيغا فيرتوف ".
ولعل خير مثال على ذلك ،عندما قامت احدى الشركات السينمائية بتكليف ( )11مخرجا من
( )11بلدا ،لعمل فيلم من 11دقيقة عن حادثة الحادي عشر من سبتمبر ،كل بمفرده ،وبحسب
رؤيته للحدث ،تاركة لهم حرية الاختيار ،بحسب تجربة وحس وخلفية المخرج الثقافية والتاريخية
والفنية" ،وقد جاءت الأفلام الإحدى عشرة متباينة إلى حد كبير في معالجاتها ،وأساليب سردها،
ودوافعها وأهدافها ومقولاتها ،رغم تناولها للقضية نفسها ،مما ينفي عن الأفلام الوثائقية صفة
"الم آرة" ،أي النسخ والمحاكاة ،ويدخلها دائرة الأفلام الد ارمية ،رغم واقعيتها.
وذلك لأن الفيلم الوثائقي ،رغم سعيه للنقل الحي لحياة أناس حقيقيين يعيشون أحداث واقعية ،أو
سرده لأحداث تاريخية بطريقة موضوعية (أي كل شيء متعلق بالنقل الواقعي للأحداث) ،إلا أن
تثبيت المخرجين لكامي ارت في زوايا بعض المتاجر أو محطات الغاز على اعتبار أنها تقوم
20