Page 30 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 30
الأفلام التسجيلية والوثائقية
ولكن هل هناك فرق فعلي على المستوى العملي بين المفهومين ،رغم انطباق مفهوم الفيلم " غير
الروائي" على كليهما ؟ الحقيقة يوجد فرق ،فالفيلم الوثائقي ،هو الذي يتبع شروط التوثيق الفعلية،
ويلتزم بواقعية الأحداث ،والأماكن ،والشخوص ،ولا يلجأ لإدخال عناصر خارجية ،كتلقيح
وتركيب ،ولا إدارة الأشخاص في الفيلم كممثلين ،أما التسجيلي فهو الذي يسجل ما يقع أمام
الكامي ار ،ليسجل وضعا ،وليس بالضرورة لكي يوثق حقيقة.
-4الإشكالية ال اربعة:
التساؤل المشروع حول جوهر الفيلم الوثائقي ،هل هو واقع أم تمثيل؟ وهو أمر كنت قد نوهت
عنه سابقا ،عندما تكلمت عن أن تثبيت الكامي ار في ازوية محددة ،وتسجيل ما ت ارقبه ليس أم ار
كافيا لإنتاج فيلم وثائقي بالمعايير المتعارف عليها ،فالاعتماد على الواقعية بالمطلق لا يعتبر
عاملا كافيا لخلق التدفق الد ارمي (التصعيد) في الفيلم حتى ب ارمج تلفزيون الواقع – reality TV
تعمل على استخدام أسلوب معين لنقل (الوقائع فتصوير الشيء نفسه من ال ازوية نفسها ،دون
العمل على انتقاء اللقطات ،ومن ثم مونتاجها في تسلسل منطقي ممتع ،تفقدها القدرة على
التواصل مع الجمهور ،وتؤدي إلى ضياع الهدف الأساسي.
فسواء كان الفيلم خيالي أو واقعي ،لا يعني ذلك أنه مجرد م آرة لعكس الواقع بشكل مجرد ،الأمر
الذي يؤكد على أهمية حركات الكامي ار ،ومونتاج الفيلم ،وحساب مدة اللقطات ،وجميع أنواع
التعديلات التي نقوم فيها أثناء تصوير أي فيلم عادي ،كما يجب أن تؤخذ بالحسبان ،الموسيقى
التصويرية وتناسبها مع موضوع الفيلم ،ومشاهده والتصاعد الزمني للأحداث.
وبالطبع لا تعتمد الأفلام الوثائقية على التمثيل بشكل أساسي ،بل يمكن اعتبارها بمثابة نقل فني
لحدث ما ،قام به شخص معين بطريقة معينة ،مما يجعل من العسير استخدام جملة “عكس
الوقائع بشكل مجرد" كوصف للأفلام الوثائقية ،اضافة للإرباك الذي يثيره مصطلح "واقعية" بما
يعنيه من تصوير مباشر وموضوعي للواقع ،وإظهار للأحداث كما هي ،دون التلاعب باللقطات،
أو إضافة لمسات إبداعية ،مما يوحي ببعض نقاط الضعف في الأفلام الوثائقية ،التي تتشارك
فيها .الفلسفة الوضعية أو المنطقية ،من حيث الاعتقاد بأن الأحداث تحققت بفعل عوامل مع
حسية بالدرجة الأولى ،مع إهمال الفردية ،أو العواطف الشخصية ،بالشكل الذي يجعل المخرج
22