Page 8 - تنوير 4-8
P. 8

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫لا ُيقـدر سـوى الإلهـي (المقـدس)‪ ،‬متغافـا أن العقـل يمثـل‬          ‫الرصيـن الـذي أمامنـا الآن واختـار لـه عنـوان‪“ :‬الميثولوجيـا‬
‫عطـاء إلهيـا‪ ،‬حيـث إن اجتهاداتنـا عبـر التاريـخ ليسـت إلا‬          ‫الجهاديـة‪ ..‬متلازمـة السـلطة وال ُهويـة والعنـف”‪ ،‬فـي سـبيل‬
‫اسـتثما ار لذلـك العطـاء واحتفـاء بـه‪ ،‬مـن هنـا كان احت ارمنـا‬     ‫تأمـل وتتبـع المفاهيـم النظريـة والإج ارئيـة‪ ،‬الخاصـة بمقولـة‬

‫للوطـن باعتبـاره يمثـل قيمـة احتـ ارم لجوهرنـا العقلانـي‬                                     ‫الأسـاطير ونظريـة الخلافـة‪.‬‬
‫المخلـوق فينـا‪ ،‬كأصـل وضمـان لرسـالة اسـتخلافنا علـى‬
‫الأرض‪ ،‬وهـذا لا يكـون إلا ببنـاء الأوطـان مدخـا لترقيـة‬            ‫هكـذا ُيعـد هـذا الكتـاب – مـن وجهـة نظـر الكاتـب ونتفـق‬
                                                                   ‫معه أيضا – استكمالا ضروريا لمناقشة متعمقة لأضلاع‬
                   ‫الحضـارة واعت ارفـا بقيمـة الإنسـان‪.‬‬            ‫ثلاثـة تٌشـكل دلالـة الظاهـرة المثيـرة للجـدل‪ ،‬وتوضـح‬
                                                                   ‫التباينـات فـي الـرؤى الفكريـة والأيديولوجيـة لظاهـرة الإسـام‬
              ‫الأسطورة الثانية‪“ :‬الهوية المغلقة”‪:‬‬

‫وهـي تنطلـق مـن مبـدأ أساسـي يكمـن فـي نقـاء العقيـدة‬              ‫السياسـي؛ نظريـا وتطبيقيـا‪ .‬ومـن هنـا كان اختيـار الكاتـب‬
‫الدينيـة‪ ،‬وهـذا يقتضـي بالضـرورة نقـاء الهويـة الحضاريـة‪،‬‬          ‫للمنطلـق الفكـري المتمثـل فـي مفهـوم الميثولوجيـا الجهاديـة‬
‫الأمـر الـذي يقـود إلـى اعتبـار كل تفاعـل ثقافـي أو تدخـل‬          ‫ودلالتـه لتوضيـح “الهويـة المنغلقـة” دون أن تتماهـى مـع‬
‫حضـاري هـو بمثابـة تشـويه للإسـام‪ ،‬وهـو مـا أدى إلـى‬               ‫أي منهـا‪ ،‬خصوصـا فـي قضيـة الديـن والأيديولوجيـا‪ .‬وبنـاء‬
 ‫عـدم الثقـة بالعقـل الإنسـاني‪ .‬وهـذه الرؤيـة تعـود إلـى أن‬
                                                                                             ‫عليـه خصـص الكاتـب ثـاث‬
‫كل حضـارة هـي محصـورة فقـط فـي الديـن‪ ،‬ومـن ثـم‬
‫لا أهميـة للنهضـة والتنويـر‪ .‬إن الحضـارة تصيـر كالديـن‬             ‫أسـاطير جهاديـة‪ ،‬موضحـا أن إشـكالية الجهاديـة تشـير‬
‫مسـألة تقـع فـي صميـم الخصوصيـة الثقافيـة‪ ،‬ومـن هنـا‬               ‫إلـى الإسـام الثـوري الـذي ُيعنـى بالتغييـر مـن منظـور تيـار‬
‫كان الانفصـال الكامـل عـن الحضـا ارت الإنسـانية حفاظـا‬             ‫يقـف فـي مواجهـة العـدو الممثـل فـي السـلطة أو هكـذا‬
‫علـى نقـاء الهويـة الإسـامية‪ ،‬وهـو مـا شـكل تصـو ار سـلفيا‬         ‫المحتـل‪ .‬وهنـا ينسـحب أيضـا علـى مواجهـة الحاكـم المعـدل‬
‫للتاريـخ لـدى الجماعـة الإسـامية؛ باعتبـار الماضويـة هـي‬
                                                                                                     ‫للشـريعة الإسـامية‪.‬‬

                                                                                     ‫ونعرض فيما يلي للأساطير الثلاث‪:‬‬

‫الأصالـة‪ .‬هكـذا يتضـح أن الهويـة المغلقـة تعـارض إذن‬                           ‫الأسطورة الأولي‪“ :‬الخلافة الشرعية”‪:‬‬
‫التلاقـح الفكـري والثقافـي وتنبـذ الحضـا ارت الأخـرى خوفـا‬
                                                                   ‫حيث قام بمعالجة الخلافة الشـرعية منذ بداية التأسـيس‬
                   ‫مـن فقـدان نقـاء العقيـدة الإسـامية‪.‬‬            ‫وتحـولات السـلطة‪ ،‬مركـ از علـى العلاقـة الجدليـة بيـن الديـن‬
                                                                   ‫والدولـة‪ ،‬مـن ناحيـة وبيـن الحداثـة وال ارديكاليـة والعلميـة‬
               ‫الأسطورة الثالثة‪“ :‬الجهاد الحربي”‪:‬‬

‫وهـي الفكـرة التـي تأسـس عليهـا مفهـوم الكفـاح الجسـدي‬             ‫الوجوديـة مـن ناحيـة أخـري‪ ،‬إضافـة إلـى رصـد الاتجـاه‬
‫بذريعـة قيمـة التضحيـة بالنفـس كمـا كانـت لـدى الأوائـل؛‬           ‫التوفيقـي بيـن الشـورى والديموق ارطيـة‪ ،‬وتفسـير ملامـح‬
‫باعتبارهـا الآليـة الوحيـدة الممكنـة لاسـتعادة نهضـة الأمـة؛‬
                                                                                                 ‫السـلفية والدولـة الدينيـة‪.‬‬

‫كبريائهـا فـي مواجهـة أعدائهـا‪ .‬ومـن ثـم يتـم تهميـش القيـم‬        ‫وفـي هـذا السـياق يحلـل الكاتـب أسـطورة الخلافـة‪ ،‬هكـذا‬
‫الكبـرى المؤسسـة لـروح العصـر كالعلـم والحريـة‪ .‬ويصـف‬              ‫يؤكـد علـى عـدم اعتـ ارف هـذا التيـار بحقيقـة الوطـن ولا‬
‫الكاتـب‪ ،‬بعقلانيتـه التنويريـة‪ ،‬تلـك الأسـطورة بالجهـاد مـن‬        ‫يحتفـي بالإنسـان‪ ،‬ولا يحتـرم العقـل‪ ،‬ولا يهتـم بالتجربـة‪،‬‬
‫أجـل المـوت (الشـهادة)‪ ،‬حينئـذ يتحـول الجهـاد إلـى ظاهـرة‬          ‫ولا يعنيـه التاريـخ باعتبـاره تجسـيدا للبشـري (المدنـس) فهـو‬

                                                                ‫‪8‬‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13