Page 7 - merit mag 36- dec 2021
P. 7
افتتاحية 5
مخر ًجا معقو ًل لحفظ التحقيق ،ربما لأن “هذه الأخبار والأحاديث إذا لم يطمئن إليها
ثمة تعليمات بحفظه ،خاصة أن مذكرة العقل ،ولم يرضها المنطق ،ولم تستقم لها
التحقيق نفسها تدين طه حسين في أكثر من أساليب التفكير العلمي ،فإن في قلوب الناس
موضع ،لكنها تبرئه -مع ذلك -بحجة أن وشعورهم وعواطفهم وخيالهم وميلهم
إلى السذاجة ،واستراحتهم إليها من جهد
خروجاته ،وإنكاره للمعلوم -من وجهة نظر
المحقق ومقدمي الشكوى -تعد ضرورة من الحياة وعنائها ،ما يحبب إليهم هذه الأخبار
ويرغبهم فيها ،ويدفعهم إلى أن يلتمسوا
ضرورات البحث العلمي!
الحال إذن أن طه حسين (أعمل عقله)، عندها الترفيه على النفس حين تشق عليهم
ومنطق الشك الديكارتي الذي اقتنع به، الحياة .وفر ٌق عظيم بين من يتحدث بهذه
في حدود الروايات التراثية ،ففاضل بينها
واختار أقربها للمنطق ،بل وذهب أبعد الأخبار إلى العقل على أنها حقائق يقرها
في تمثل السيرة النبوية في عمل قال إنه العلم وتستقيم لها مناهج البحث ،ومن
«أدبي» ،فنال رضاء المتدينين ،بل وتحولت يقدمها إلى القلب والشعور على أنها مثيرة
روايته إلى مسلسل تليفزيوني ،لم يعترض لعواطف الخير ،صارفة عن بواعث الشر،
معينة على إنفاق الوقت واحتمال أثقال
عليه المتدينون.
فلو أن الأمر كذلك ..وأن طه حسين لم الحياة وتكاليف العيش”.
يكن وحده الذي كتب في الشأن الإسلامي طه حسين -إذن -ينفي في مقدمته اطمئنان
-رغم أنه أزهري في الأساس -وإنما فعل
ذلك عدد كبير من الأدباء والمثقفين في العقل إلى الروايات التي وردت بالكتاب،
عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن وإنما أقدم على كتابتها مخاطبًا «قلوب
العشرين ،وأن بعض هذه الكتابات لم الناس وشعورهم وعواطفهم وخيالهم
تخ ُل من مراجعات فكرية ،وإعمال العقل
في بعض الروايات التراثية ،ورفض قبول وميلهم إلى السذاجة” (!!) .والحقيقة أن
بعضها لأنها تجافي المنطق ..أقول لو أن هذا الدرب من دروب التفكير -أقصد
الأمر كان كذلك ،فلماذا وضع الإسلاميون
طه حسين على رأس قائمة «أعداء الإسلام»، إراحة الدماغ -ليس جدي ًدا في فكر الرجل،
فحين تحول للتحقيق في أزمة “في الشعر
لدرجة اتهامه بالزندقة والكفر؟
إجابة السؤال تنبع من كون طه حسين الجاهلي” قرر أن ُيس ِم َع المحقق “محمد
أزهر ًّيا ،أي يقف على الأرضية نفسها التي نور” ما يريد أن يسمعه ،لا ما يؤمن به طه
يقف عليها مدعو امتلاك العلم ،كما أنه أثار حسين بالفعل ،وقد قال في مقدمة “الشعر
مشكلات كثيرة ،علمية وشخصية ،أيام
دراسته في الأزهر ،مما استعدى أساتذته الجاهلي” صراحة« :ولست أتمدح بأني
أحب أن أتعرض للأذى .وربما كان الحق
ضده ،وربما كان يتعالى عليهم بعلمه
وقدرته على التحليل والاستنتاج والبحث، أني أحب الحياة الهادئة المطمئنة وأريد
أن أتذوق لذات العيش في دعة ورضا”،
لذلك وجدوا في كتابه فرصة للنيل منه، لذلك ذكر المحقق في مذكرته أن المؤلف
حيث رفع شيخ الأزهر -وقتها -الشيخ -طه حسين -أنكر “أنه يريد الطعن على
أبو الفضل الجيزاوي «بتاريخ 5يونيو الدين الإسلامي ،وقال إنه ذكر ما ذكر
سنة 1926لسعادة النائب العمومي خطا ًبا في سبيل البحث العلمي وخدمة العلم لا
يبلغ به تقري ًرا رفعه علماء الجامع الأزهر غير ،غير مقيد بشيء” ،فيقدم واحدة من
غرائب التفكير ،أن تكون مؤمنًا بالإسلام
في نفسك لأنك تنتمي إليه ،وأن تشك في
رواياته -في الوقت ذاته -لدواعي البحث
العلمي! وقد وجد المحقق في هذه (التلفيقة)