Page 95 - Pp
P. 95
نون النسوة 9 3 المدفون في العفيفي أحد الباشوات من أبنائهما.
رشيد باشا الثالث حكايته مثيرة ،كان جركس ّي
ضمن مؤسسي الجمعية الجغرافية في ،١٨٧٥وفي الأصل ويتحدث العربية بلكنة .يأتي ذكره عند
١٨٧٦كان عض ًوا في المجلس الخصوصي :أي
المؤرخ إلياس الأيوبي في وصفه للحملة التي
مجلس الوزراء؛ حيث شغل وظيفة رئيس مجلس أرسلها الخديوي إسماعيل لاستعمار الحبشة.
حسبي مصر( :)5أي وزارة المالية .ورأس مجلس استق ّل مع قواد الحملة الباخرة «الدقهلية» وبلغ
شورى النواب في آخر دورات انعقاده تحت حكم « ُم َص ّوع» في الحبشة في ١٤ديسمبر .١٨٧٥يصف
الأيوبي بابل اللغات على الباخرة :رئيس الحملة
الخديوي إسماعيل من يناير ١٨٧٨إلى أبريل راتب باشا السردار ترك ّي ،ورئيس الأركان الجنرال
.)6(١٨٧٩لا توجد معلومات عن أصله أو حياته، لورنج أمريك ّي ،أما باقي القادة فأتراك وجراكسة
ولكن يأتي اسمه ضمن أعضاء جمعية المعارف التي وأمريكان ونمساويون وألمان وأحدهم إيطالي اعتنق
أُسست في ،١٨٦٨مما يعني أنه كما يقول الرافعي:
الإسلام وآخر سوداني(.)1
«من الطبقات الممتازة من المجتمع»(.)7 يكتب الأيوبي أن الأتراك والجراكسة بما فيهم
بدا لي رشيد باشا الأخير -كما يقولون في لغة راتب السردار ورشيد باشا هذا قرروا ألا يطيعوا
التحقيقات البوليسية -الشخص مح ّل الاهتمام. الجنرال لورنج ووضعوا أمامه العراقيل ،رغم أنهم
إذا كان هو صاحب المدفن الذي ترقد فيه عنايات جهلة بفنون الحرب ،واستم ّرت الفوضى حتى
فسأعود إليه بالتأكيد ،ولكن عليَّ أن أؤكد ذلك أو ًل وصل جيش النجاش ّي إلى حصنهم في منطقة اسمها
(قرع) في ٧مارس ،١٨٧٦ف ُهزم الجيش المصري
بأن أرى المدفن بعين ّي. وكان عدد القتلى منه ،٣٢٧٣والجرحى ،١٤١٦
أخذ السائق طريق صلاح سالم حتى ميدان السيدة ومن نجوا كانوا ٥٣٠فر ًدا فقط .سقط رشيد باشا
عائشة ،اتجه يمينًا لعدة دقائق ،وأنزلني عند مدخل مض َّر ًجا في دمائه فانقض عليه الحبش وجردوه من
في سور ،وقال لي اسألي وستجدين ألف َمن يدلّك. ثيابه ،واقتسموها بينهم ،ثم خصوه وذهبوا للفتك
بغيره( .)2وهو ما يعني أن رشيد باشا هذا مدفون
مشي ُت في شارع مستقيم ،عن يميني سور عا ٍل في الحبشة ،هذا إن كان قد ُدفن أص ًل ،إذ يقول
بعض أجزائه من الحديد ولونه أسود ،وعن شمالي الأيوبي« :إن القتلى المدفونين في الوادي ومجرى
السيل -وأناف عددهم على ألفين -لم ُيدفنوا دفنًا
أبواب المدافن وجدرانها المطلية حديثًا بالأصفر. أصوليًّا ،فإن الأمطار ما لبثت أن كشفت التراب
لمح ُت طفلة قادمة في اتجاهي ،تلبس ثو ًبا بنفسجيًّا
له طبقات من الكرانيش ،وعلى رأسها أرغفة خبز عن جثثهم ،فأكلت الضواري
رممهم»( .)3في كل الأحوال،
فوق شبكة من جريد النخل .كان مشهدها عن
ُبعد خلا ًبا حتّى إنني تمنيّ ُت لو كانت لد ّي شجاعة تمني ُت من قلبي ألا يكون
سائحة فألتقط لها صورة .توقف صوت شبشبها لعنايات علاقة بهذا الرشيد.
يبدو أن رشيد باشا الرابع كان
بعد أن عبرتني فالتف ُّت ،وجدتها واقفة تنظر إل َّي شخ ًصا ُمق َّر ًبا من أسرة محمد
والتقت عينانا .سألتها إ ْن كانت علي؛ ففي خمسينيات القرن
تعرف العفيفي؟ قالت« :دا راجل التاسع عشر يأتي اسمه ضمن
المسؤولين عن شق قنوات الر ّي
ولا شارع»؟ خمن ُت أنها أكبر وردم المستنقعات واستصلاح
قلي ًل مما ظنن ُت ،مشي ُت خطوتين الأراضي البور .وفي ،١٨٦٨
كان محافظ القاهرة( .)4وكان
نحوها وسألتها عن الطريق
للفرن ،فوصفته بدقة.
لم يكن هناك الازدحام الذي
توقعته ،وشعر ُت أن العيون
تحدق بي .سألتني امرأة عما
أريد ،وبينما أحاول أن أحدد هل
العفيفي شارع أم حارة ،قال
رج ٌل جالس على الأرض يتش ّمس