Page 119 - m
P. 119

‫‪117‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة في اليمن‬

   ‫الذي رسم هذه العلامة‪ ،‬لكنني أعرف الأداة التي‬      ‫ولم يعرف الطبيب ماذا عليه أن يقول‪ ،‬واكتفى بمط‬
  ‫استخدمها‪ .‬كانت آخر شيء رأيته قبل أن أستيقظ‬                                  ‫شفتيه ومواصلة عمله‪.‬‬
‫بعد أسبوع تقريبًا في المستشفى‪ .‬كانت هراوة سوداء‬
                                                      ‫ثم واصل هو حديثه‪ ..‬أخبر الطبيب كيف أن القبلة‬
     ‫سميكة‪ .‬وكان التوقيت يقارب العاشرة صبا ًحا‪.‬‬      ‫بالنسبة له تعتبر شعو ًرا مستق ًّل‪ ،‬شعو ًرا لا يرتبط‬
‫خرجت لجلب الخبز ووجدتني داخل مظاهرة تطالب‬
                                                                                    ‫بأي شعور آخر‪.‬‬
                                 ‫بإسقاط النظام‪.‬‬     ‫هنالك الصداقة‪ ..‬الحب‪ ..‬الكراهية‪ .‬وهناك القبلة‪ .‬أمر‬
 ‫قالوا لي فيما بعد إنني كنت محظو ًظا‪ ،‬لأن الكثيرين‬
                                                                             ‫قائم بذاته‪ .‬قال للطبيب‪.‬‬
                             ‫قد ماتوا وعشت أنا‪.‬‬       ‫ثم سأل الطبيب إن كان يحب التقبيل‪ ،‬ولم يعرف‬
  ‫كان من المفترض أن تكون هذه علامة أتفاخر بها‪،‬‬        ‫الطبيب هذه المرة أي ًضا ماذا يجب أن يقول وأسرع‬
   ‫لكن ما آلت إليه الأمور جعلني أنا والكثيرين ممن‬
                                                                                     ‫في إنجاز عمله‪.‬‬
    ‫هتفوا تلك الأيام نشعر بأننا قد قمنا بعمل غبي‪.‬‬    ‫وكان القاضي في القاعة قد رفع رأسه بعد أن كتب‬
                     ‫لذلك حاول رجاء ألا تظهرها‪.‬‬
                                                        ‫ما قالته له المرأة‪ ،‬كما لو أنه قد انتهى من كتابة‬
   ‫حاول أن ترتفع أكثر‪ .‬لكن ليس إلى حد كبير وإلا‬            ‫مذكرات حياته‪ .‬ثم سألها‪ :‬هل هذا كل شيء؟‬
  ‫فإنها ستصبح كصورة صديقي‪ .‬هل تعرف؟ نحن‬                  ‫قالت‪ :‬لا‪ ،‬سألته بعد القبلة إن كان يحبني‪ ،‬لكن‬
  ‫نشبه بعضنا كثي ًرا‪ .‬حتى إن أمي قد ظنته أنا‪ ،‬حين‬                    ‫اللعين أجابني من دون تردد‪ :‬لا‪.‬‬

    ‫أروها صورة شخص يجلس على أرض متسخة‬                         ‫صورة طبق الأصل‬
‫يمسك ركبتيه بساعديه بين ثلاثة جدران تتسع فقط‬
‫لجسده النحيل وينظر بوجه متورم من آثار الكدمات‬       ‫حاول ألا تكون بمستوى عيني‪ ،‬لا تقابلني تما ًما كي‬
                                                      ‫لا تشبه صورتي في جواز سفري‪ .‬صورتي هناك‬
   ‫إلى ملتقط الصورة‪ .‬الشخص الذي التقط الصورة‬          ‫ليست سيئة‪ ،‬لكنها تذكرني بكمية إهانات وطوابير‬
  ‫لم يرغب ‪-‬ربما‪ -‬في أن تتسخ ثيابه‪ ،‬لذلك التقطها‬         ‫طويلة وحرارة شمس جعلت المكان مليء بالعرق‬
  ‫واق ًفا‪ .‬أما صديقي فقد كان صحفيًّا‪ ،‬يقول فقط ما‬       ‫والروائح السيئة والكثير من التأففات والشتائم‪.‬‬
                                                     ‫وحين تفحصها رجل أنيق ووسيم وناعم من خلف‬
                   ‫يجب أن يقال‪ .‬ولهذا كان هناك‪.‬‬
   ‫لدي فكرة‪ :‬حاول أن تلتقطها من الجانب‪ .‬سأكون‬       ‫الشاشة في أحد المنافذ البرية ابتسم وأعاد إل َّي الجواز‬
‫كما لو أنني أنظر إلى الوطن الكبير‪ ،‬أفتح عيني بلطف‬     ‫من دون حتى أن ينظر إلى وجهي‪ .‬إلى هذه اللحظة‬
 ‫وحب ووقار‪ ،‬وأبعث الطمأنينة بأن كل شيء بخير‪.‬‬           ‫أتساءل دائ ًما عن سبب تلك الابتسامة‪ .‬لهذا أكره‬
                                                              ‫الصور التي تؤخذ لي من الأمام مباشرة‪.‬‬
    ‫صحيح أنني سأحتاج إلى بدلة بد ًل من قميصي‬
    ‫الممزق هذا‪ ،‬وسأحتاج إلى أن تكون خدودي أكثر‬      ‫لكن أي ًضا يا صديقي حاول ‪-‬أي ًضا‪ -‬ألا تكون أسفل‬
                                                         ‫من مستوى وجهي‪ .‬حينها ستظهر ندبة أسفل‬
     ‫امتلاء ونضارة‪ .‬وأن يكون شعري مه َّذ ًبا‪ .‬وأن‬
                                        ‫أكون‪...‬‬      ‫ذقني‪ .‬ندبة عميقة‪ .‬لا أعرف بالضبط وجه الشخص‬

  ‫المهم‪ ،‬التقط لي صورة وأنا هكذا كما يفعل الزعيم‪.‬‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124