Page 122 - m
P. 122
العـدد 55 120
يوليو ٢٠٢3
سيناء الروسي
(اليمن)
تجاعيد وغيو ٌم دامي ٌة
يغمض عينيه وينام ،أطبع قبل ًة على يده بعد أن تجاعيد
سحبتها بهدو ٍء ،أجري إلى غرفتي وأنخرط في
بكا ٍء طويل ،تحتضن الوسادة كل الكبت الذي يصدر أبي أنينًا متقط ًعا يصل إلى مسامعي
استجمعته أمام والدي ،القوة وتص ُّنع الابتسامة مضطر ًبا وموج ًعا ،قناع «الأكسجين» لا يكاد
في مرأى عينيه ،أخلعهما وأنتحب ،أنتحب بمفردي يغادر فمه ،تجاعيد الزمن تحيط بوجهه الدائري
بلا حو ٍل لي ولا قوة ،يؤرقني مرضه ،بل أكاد في بلا استحياء ،كأنها تشهد حقب ًة من التاريخ الذي
أحيا ٍن كثيرة ،أسخط ،وسرعان ما أعود إلى رشدي عاصره .شعره الكثيف ،الذي ورثه أخي ،لا تزال
فيه شعيرات سوداء تعلن تمردها على الحياة.
وأستغفر الله في سري. في الليل نتناوب أنا وأمي وأخوتي على السهر
يخبرنا الطبيب أن حالة والدي تزداد سو ًءا ،وأن بجانبه ،تكاد أنفاسه تغادره بين الفينة والأخرى،
ُيخرج من صدره زفرات أل ٍم حاد ٍة ،ينظر إلينا
علينا نقله إلى المستشفى بأسرع وق ٍت ممك ٍن، بعينين غائرتين متوسلتين ،أحاول الصمود أمامه،
وبطبيعة الحال يجب أن نكون مستعدين لأي شي ٍء أتظاهر بالقوة وألقي عليه كلمات مطمئنة بأنه
سيكون بخير ،أبتسم مرغم ًة ،حين يشد على يدي
سيئ .يرفض والدي الذهاب ،نتوسل إليه بأعين بيده الواهنة التي فقدت قوتها مع المرض ،أنظر إلى
دامع ٍة ،وقلو ٍب توشك على الانهيار ،ينتصر بالنهاية والدتي التي تجلس إلى جانبه الأيمن ،ولا تزال يدي
حبيسة يده ،تفيض عيناها دمو ًعا صامت ًة ،لا يراها
عناده. والدي ،تمسحها بكفها الأيسر ،ينبض قلبي بالألم،
أفكر« :وما جدوى العيش بدونه؟!» الأمر سيان وأشعر بنزيف دمه يصل إلى حلقي ،يتخثر شي ٌء
بالنسبة لي .أمشي من أمامه ،وأندس في حضن ما في فمي ،أمرر لساني حوله وأتذوق صدأً م ًّرا.
والدي تارك ًة لدموعي الحق بسقوطها كيفما تشاء. أقاوم رغب ًة ملح ًة بالانهيار والصراخ ،رغب ًة بانتزاع
تنتزعني من حضن والدي يد أمي الرقيقة على
كتفي ،تشير بيدها إلى الهاتف ،أنهض وألتقطه من مرضه ،وزرعه في جسدي.
يدها ،وقبل أن أرى اسم المتصل ،يصلني صوتها
بوضو ٍح:
-رغد ،كيف حالك؟