Page 219 - m
P. 219

‫الملف الثقـافي ‪2 1 7‬‬

    ‫نفسه وحمولتها الفكرية‬       ‫إرساء دعائمها‪ .‬فـ”القرآن‬      ‫الملامح والسمات والأنفاس!‬
   ‫والسياسية والعقدية‪ -‬لن‬          ‫بجملته يقوم على أعمدة‬        ‫ولها موضو ٌع رئيسى أو‬
 ‫يستطيع أن يهتم بجانب من‬                           ‫ثلاثة‪:‬‬       ‫عدة موضوعات مشدودة‬
    ‫جوانبه‪ ،‬ويهمل الجوانب‬                                      ‫إلى محور خاص‪ ،‬ولها جو‬
                               ‫‪ -‬أولها‪ :‬التوحيد‪ ،‬فالتوحيد‬        ‫خاص يظلل موضوعاتها‬
    ‫الأخرى‪ .‬فإذا كان فقي ًها‬   ‫شكل العمود الأساس لمعظم‬
        ‫وأراد أن يأخذ آيات‬                                   ‫كلها‪ ،‬ويجعل سياقها يتناول‬
                                      ‫سور القرآن المجيد‪.‬‬      ‫هذه الموضوعات من جوانب‬
   ‫الأحكام ‪-‬وحدها‪ -‬فجمع‬       ‫‪ -‬ثانيها‪ :‬التزكية‪ ،‬وهي قيمة‬     ‫معينة‪ ،‬تحقق التناسب بينها‬
    ‫كل ما بدئ بأمر أو نهي‬
    ‫من الآيات ليستخرج منه‬        ‫عليا تؤهل الإنسان للقيام‬       ‫وفق هذا الجو‪ ،‬ولها إيقا ٌع‬
‫القوانين والأحكام‪ ،‬فإن آيات‬            ‫بمهمة الاستخلاف‪.‬‬        ‫موسيقى خاص ‪-‬قد يتغير‬
 ‫الأحكام ‪-‬وحدها‪ -‬لن تلبى‬
   ‫حاجته ولن تكشف له عن‬             ‫‪ -‬ثالثها‪ :‬العمران‪ ،‬بناء‬     ‫أحيا ًنا لمناسبة موضوعية‬
   ‫دقائقها‪ ،‬ذلك أنه قد فصل‬          ‫حضارة قائمة على قيم‬       ‫خاصة‪ -‬وهذا طاب ٌع عا ٌم فى‬
  ‫الغصن عن الشجرة‪ ،‬ونظر‬                                      ‫سور القرآن جمي ًعا‪ ،‬ولا يشذ‬
   ‫إلى الجزء بمعزل عن كله‪،‬‬              ‫التوحيد والتزكية‪.‬‬    ‫عن هذه القاعدة طوال السور‬
 ‫فمعاني الآيات لن تسفر لك‬     ‫فالتوحيد هو الأساس وتدور‬       ‫كهذه السورة (يعنى‪ :‬سورة‬
  ‫عن وجهها حتى تقرأها في‬                                       ‫البقرة)» (فى ظلال القرآن‪،‬‬
   ‫سياقها وموقعها وبيئتها‪،‬‬       ‫حوله أوتاد أخرى تتناول‬
  ‫ولن تبلغ الغاية‪ ،‬ولن تدرك‬         ‫التزكية والعمران‪ ،‬وقد‬                  ‫الجزء الأول)‪.‬‬
    ‫المراد حتى تلاحظ سائر‬                                        ‫ولاشك أننا نختلف حول‬
‫العلاقات بين الآية وما قبلها‬   ‫يكون عمود السورة التزكية‬
    ‫وما بعدها‪ ،‬وبينها وبين‬      ‫وتربط بالتوحيد والعمران‪،‬‬             ‫معالجة قطب لبعض‬
  ‫سياق السورة التي وردت‬         ‫وقد يكون عمودها العمران‬             ‫القضايا أو استخدامه‬
     ‫فيها‪ ،‬ثم بين ذلك وبين‬      ‫ويربط بالتزكية والتوحيد‪.‬‬     ‫مصطلحات شائكة فى حديثه‬
‫القرآن كله‪“ :‬لأن القرآن بناء‬    ‫وهكذا‪ .‬وإذا سلم هذا فإنه‬          ‫عن الجاهلية والطاغوت‬
   ‫محكم واحد‪ ،‬ونظم متفرد‬        ‫يصبح من اليسير التسليم‬          ‫والحاكمية وغيرها‪ ،‬إلا أن‬
    ‫واحد‪ ،‬تسري فيه ‪-‬كله‪-‬‬                                          ‫الظلال فى مجمله يلتزم‬
 ‫روح واحدة تحوله إلى كائن‬          ‫بوحدة القرآن البنائية»‪.‬‬      ‫بهاتين القاعدتين‪ :‬الوحدة‬
‫حي يخاطبك كفا ًحا‪ ،‬ويشتبك‬         ‫(من كتاب‪ :‬أفلا يتدبرون‬         ‫البنائية (التصور عن الله‬
‫معك في جدل شامل يجيب به‬                                        ‫والكون والإنسان) وقاعدة‬
 ‫عن تساؤلاتك‪ ،‬ويسقط عنك‬             ‫القرآن‪ ،‬وكتاب الوحدة‬       ‫الشخصية المميزة للسورة‬
‫إصر شبهاتك‪ ،‬ويعيد تصميم‬        ‫البنائية للقرآن المجيد‪ ،‬د‪.‬طه‬
                                                                                ‫الواحدة‪.‬‬
      ‫تصوراتك وبناء قواعد‬                       ‫العلواني)‬
‫ومنطلقات أفكارك‪ ،‬وتصحيح‬       ‫لا شك أننا بحاجة إلى نظرات‬     ‫القيم القرآنية العليا‪:‬‬
                                                               ‫التوحيد والتزكية‬
  ‫معتقداتك حتى يضعك على‬          ‫أخرى فى الخطاب القرآنى‬
  ‫الصراط المستقيم لتستقيم‬        ‫لتتضح لنا معالمه ونهتدى‬           ‫والعمران‬
  ‫على الطريقة‪ ،‬وتبلغ شاطئ‬       ‫بهديه‪ ،‬وقد رأيت أن نظرية‬
                                                                     ‫قري ٌب من المحاولتين‬
                  ‫الحقيقة»‬         ‫«الوحدة البنائية للقرآن‬      ‫السابقتين جاءت محاولة‬
                                    ‫الكريم» والنظر للقرآن‬       ‫د‪.‬طه جابر العلواني ولكن‬
                               ‫ككل متكامل وبناء متماسك‬          ‫تحت مسمى «المقاصد أو‬
                               ‫ووحدة واحدة قد يؤدى بنا‬          ‫القيم العليا الحاكمة» التي‬
                               ‫إلى فهم أعمق ويزيل التوتر‬       ‫جاء القرآن الكريم من أجل‬
                                  ‫الناشئ عن اتخاذ القرآن‬
                              ‫«عضين»‪ .‬فإن القارئ للقرآن‬
                                   ‫‪-‬دائ ًرا مع هوى القرآن‬
                                   ‫حيث يدور لا مع هوى‬
   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224