Page 113 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 113
نون النسوة 1 1 1 الكره العميق المتجذر في نفسه لرفض العالم هو
بالأساس تمرد لحواسه ورغبة في الإنكار والهروب
فهي التقت والده وأحبته وتكون هذا الجنين في من هذا العالم ،لا يقبل بروائح العالم أو لا يجد فيها
رحمها تحت القصف وأحداث الحرب .ولكن الحمل
المعلق أو المستمر لسنوات على المستوى النفسي له إلا العفن والفساد ،فالعالم كله هو هذه الحالة من
التردي في العفونة التي لها جذور عميقة لديه ،بدأت
دلالات أخرى واحتمالات تأويلية مختلفة ،فيمكن مع الغدر بالجمل صابر الذي ذبحه جده ،وتعمقت
أن يكون الأمل المعلق في حياة سوية ،الأمل في
السلام والرغبة في استعادة الماضي واستعادة مع الحرب ،ومن الطريف أو الجميل في الرواية أن
تكون معاناة نورس مضاعفة بأن يتم إثقال كاهله
العيش السوي والطبيعي .الأمل المؤجل في أن ترجع
الحياة إلى طبيعتها أو إلى ما قبل الحرب. دائ ًما بهذه الجثة المتوهمة ،لتضاعف من معاناته
على المستوى النفسي وتمنح السرد أسباب التطور
في الرواية جزء رمزي مهم كذلك يرتبط بنسق
ثابت يربط بين الشخصيتين ،وهو المتمثل في غياب الدرامي ومحركاته الذاتية ،بأن يكون البطل في
ورطة أكبر من ورطة الرائحة العفنة ،بأن يحتاج
حلقة الأب أو ضعفها أو انهيارها ،أو أن يكون
الأب -وهو المرحلة الوسيطة بين الجد والابن -هو فوق ذلك إلى حيلة للتخلص بها من الجثة التي
الحلقة الأضعف أو الأكثر مر ًضا وألمًا وغيا ًبا ،وهذا تضاعف العفونة وتضطره للمعطرات ،وتجعله
دال على إشكاليات مرحلة الحرب ،فإذا كان الأجداد يعيش طوال أحداث الرواية كما لو كان عصفو ًرا في
شراك صائد محترف يحاصره جي ًدا ويحكم عليه
يدلون على الماضي والتاريخ العربي بشكل عام،
فإن الأب هو هذه المرحلة الراهنة التي تهيمن عليها الفخ.
الحرب ومظاهر التهدم والخراب والضعف ،في حين إن ما تعيشه الشخصيتان الرئيستان ليتشابه في
يكون الأبناء أو الجيل الحالي من الأبناء دالين على المستوى الأكثر عم ًقا ،ويصبح له القيمة الدلالية
ذاتها ،ذلك لأنهما يعانيان باختلاف في نمط المرض
المستقبل .وهكذا فإن الرواية تطرح شك ًل طري ًفا من حالة إنكار للواقع ،والحمل المعلق -أو الحمل
من التعبير عن التاريخ بطريقة رمزية ،فتشير إلى النفسي المعلق -لدى شخصية سوسنة هو دال على
ازدهار التاريخ العربي وهذا الماضي المجيد وفق رفض الخروج إلى العالم في قراءة من القراءات،
واحتمال من احتمالات التأويل ،فكأنها بالأساس
منطق الخطاب الروائي ورؤيته ،في حين يهيمن ترفض خروج جنينها للعالم وهو بهذه الصورة،
الضعف والانهيار على الحاضر ،أما المستقبل فإنه هي بالأساس لا تملك جنينًا ،بل هي حالة مرضية
من التوهم الذي تصعب معالجته ويجاريها فيه من
نتيجة لهذا الحاضر ،فليس في المستقبل إلا هذه
الحالة النفسية المتردية التي يقع فيها الأبناء من حولها حتى الطبيب نفسه ،في حين
التخبط والتوهم والضعف والمرض النفسي وتهشم أن الطب النفسي يقول إن مجاراة
ذواتهم ،بما يجعل الأفق مسدو ًدا أو ضبابيًّا وغير المريض ليست هي العلاج ،بل هو
واضح المعالم ،فلا نعرف تعميق للمرض ويزيد فيه .لكن هذا
هل يمكن الخلاص من هذه الحمل المعلق على المستوى التأويلي
الأمراض النفسية واستعادة والدلالي داخل النص السردي هو
نوع من التمرد على الواقع ،ورفض
صحتهم؛ أم أن حالاتهم
ستتفاقم وستزداد سو ًءا؟ الخروج إليه ،فكأن الأم تخاف
وهو السؤال الذي تنفتح على ابنها من وحشية العالم
عليه دلالة الخطاب ،وتظل
هكذا أمام إسهامات المتلقين وقسوة الحرب وعنفها ،وبخاصة
وحسب رؤيتهم وتصوراتهم وأنه نتاج حالة من الحب أو
الخاصة. العشق الذي ولد في فترة الحرب،
والدليل على أن الماضي مجيد
وقوي وعف ٌّي ،ومما يؤكد