Page 102 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 102

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪100‬‬

                                                      ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫أجد صعوبة وأحتاج طاقة للبوح وللمشاعر وللحب‪،‬‬                                                 ‫والرسوم‪.‬‬
  ‫ورغم ذلك تمكن منَّا وم َّدنا بطاقة غريبة‪ ،‬فلم يعد‬   ‫في المعهد تعرفت على عادل‪ ،‬كان مثلي يجلس وحي ًدا‬
    ‫النهوض من السرير عقبة عند جسدي‪ ..‬وكذلك‬
 ‫حمامي ولباسي‪ ،‬لا بل كنت أضع بع ًضا من أحمر‬                 ‫في المقعد الأخير في زاوية القاعة‪ ،‬شاب أبيض‬
                       ‫الشفاه على شفتي وخدي‪.‬‬              ‫البشرة متوسط القامة نحيف يرتدي نظارة‪ ،‬ما‬
  ‫فرحت أمي‪ ،‬حتى حياد والدي كان مسرو ًرا لد ِّب‬        ‫يميزه قفلة حواجبه وكثافتها‪ ،‬ولأن عددنا في المعهد‬
     ‫الحياة بي‪ ،‬لكنهم لم يسألوني‪ ،‬وليتهم سألوا‪..‬‬          ‫كان قلي ًل‪ ..‬كنا كعمودين ع ّلمين ك ٌّل يجلس في‬
      ‫وشعرت كمن م ّسه جناحي فراشة في القلب‪.‬‬              ‫زاوية في آخر القاعة‪ ،‬والآخرون كتلة متجمعة في‬
   ‫مرت سنة ونصف بدا غروبي عاد ًل‪ ..‬وعادل في‬
   ‫غروبي‪ ،‬رغم أننا شهدنا الغروب م ًعا مرات قليلة‬                                      ‫الصفوف الأولى‪.‬‬
                                                      ‫كان صوته مترد ًدا‪ .‬عرفت ذلك من المرة الأولى الذي‬
‫خارج المدينة‪ ،‬لكنها بدت معه ويدي بيده أليفة‪ ..‬لكن‬
   ‫حين أعود لغرفتي أبكي من الغروب وعلى يدينا‪.‬‬             ‫ذكر اسمه عادل حين طلب منا الدكتور تسجيل‬
         ‫كان الوقت خا ٍل من المستقبل بغياب عادل‬         ‫الحضور‪ ..‬قال «عادل»‪ ،‬وكأنه متردد بذكر العدل‬

 ‫وبحضوره‪ ،‬كنت أشعر أني قد أخطو على عتبته لو‬                                                  ‫في اسمه‪.‬‬
                                  ‫خطوة واحدة‪.‬‬           ‫حين طلب دكتور مادة الإنشاءات أن نقوم ببحث‬
                                                        ‫مشترك مع زميل‪ ..‬ك ٌّل اختار زمي ًل أو زميلة ولم‬
‫لم يل ِغ الوقت لعنته خلال وجود عادل لكنه وضعها‬
          ‫على ر ٍّف قريب‪ ،‬يم ُّد يده إليها وقت يشاء‪.‬‬       ‫يتبق سوانا‪ ..‬لم يطلبنا أحد للعمل معه‪ ،‬فجمع‬
                                                        ‫دكتور المادة اسمينا غروب وعادل في بحث واحد‪.‬‬
   ‫أنهينا سنتي الدراسة وكان عليه أن يقوم بخدمة‬          ‫لا أعلم ماهية القدر‪ ..‬هل هو عقل مدبر لغاية ما‪..‬‬
                            ‫ال َع َلم‪ ..‬خدمة الوطن‪.‬‬
                                                                                       ‫ولكن ما الغاية؟‬
     ‫قد يكون مفهوم الوطن ضرورة لشخص غير‬                ‫ما غاية القدر في أن يلقي وحيدة ضجرة في حضن‬
    ‫مصاب بلعنة الوقت‪ ،‬أما لدى عادل ولد َّي فكان‬
                                                        ‫وحيد ضجر‪ ،‬حين التقينا للمرة الأولى في المكتبة‪،‬‬
              ‫أشبه برفاهية لا نفهمها أو لا تعنينا‪.‬‬    ‫أنفقنا بضع كلمات وأخذنا اللوازم مناصفة ثم قال‪:‬‬
   ‫إن كان الوقت الذي نعيشه في مكان محدد وبين‬
  ‫أشخاص‪ ،‬وتبادلنا مع المكان والأشخاص شعو ًرا‬                                      ‫أين سنقوم بالبحث؟‬
                                                        ‫لم أُتعب نفسي في التفكير بذلك‪ ،‬بل ركزت نظري‬
       ‫ما‪ ..‬هو الوطن؛ فكل ما جاء لغ ًوا بالنسبة لنا‬    ‫في حولة الحسن التي تعطي لوجهه غرابة‪ ..‬أجبت‪:‬‬
   ‫نحن الضجرون‪ .‬إذ نضجر من وقتنا معهم ومع‬
 ‫المكان والأشياء‪ ..‬لا بل يصبح العيش بحد ذاته ألمًا‬                                          ‫لا أعرف‪.‬‬
                                                       ‫اقترح مكتبة الهندسة في الجامعة‪ ،‬وقد نبقى لوقت‬
                   ‫متواص ًل نتمنى لو نرتاح منه‪.‬‬
 ‫و ّدعني عادل ملتح ًقا بقطعته العسكرية في محافظة‬                                              ‫متأخر‪.‬‬
 ‫أخرى‪ ،‬ناداه قلبي كثي ًرا‪ ..‬لم يلتفت فعرفت أن قلبه‬       ‫كنت مهتمة بإنهاء المشروع خلال وقت قصير‪..‬‬
                                                       ‫نجتمع في أوقات محددة‪ ،‬ننجز بعض العمل ثم ك ٌّل‬
                                      ‫ينادي لي‪.‬‬         ‫يسير في طريقه‪ ،‬مع أن طريقنا واحد لوصول كل‬
 ‫لم نكن نسرف في قول المشاعر كما يفعل المحبون‪،‬‬
  ‫لكن الكلمة التي تقال تولد صادقة وعميقة بعملية‬                                             ‫منا لبيته‪.‬‬
                                                        ‫حدث أن سألني مرة بعد أن انتهينا‪ :‬يبدو طريقنا‬
    ‫قيصيرية‪ ،‬أن نسرف في المشاعر الجياشة فذاك‬
                 ‫اختلال يسحب منا طاقة تعادلها‪.‬‬                                                 ‫واحد؟‬
                                                                                       ‫قلت‪ :‬يبدو ذلك‪.‬‬
‫م ّرت ثلاثة أشهر على غيابه‪ ،‬نتحدث جم ًل مختصرة‬        ‫رغم أني قلتها بحياد عاطفي لكن ما حدث بعد ذلك‬
    ‫كثيفة مركزة‪ ..‬من جانبي أغلق الهاتف المحمول‬        ‫أن سلكنا طري ًقا واح ًدا‪ ،‬لسبب قدري تحدث كل منا‬
                                                       ‫عن ثقل الجذب إلى دواخلنا‪ ،‬كان يتحدث عني كنت‬
‫وأبكي‪ ،‬أشتاق صوته‪ ،‬يخنقني المكان دونه‪ ،‬تنسحب‬
                                     ‫الروح إليه‪.‬‬                                          ‫اتحدث عنه‪.‬‬
                                                         ‫الحب فعل شاق‪ .‬هكذا بدا لي في البداية وأنا التي‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107