Page 169 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 169

‫‪167‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫طه حسين‬                   ‫جون استيوارت مل‬                 ‫ال ِح ِّسية من الأشاعرة‪ :‬فخر‬
                                                                ‫الدين الرازي (ت ‪606‬هـ)‬
 ‫زمانين في مكانين‪ ،‬وبعبارة‬      ‫آخر‪ ،‬فإن العالم متحرك من‬        ‫فقد اعتنى بإقامة البراهين‬
‫أوضح‪ :‬هي الانتقال من حيز‬          ‫غير شك‪ ،‬فمن أين له هذه‬      ‫العقلية والنقلية على استحالة‬
                                                              ‫وصف الله تعالى بما يستلزم‬
  ‫إلى حيز في آنين مختلفين‪،‬‬      ‫الحركة؟ ولا يمكن أن تكون‬      ‫الجسمية‪ ،‬فالاستواء بالنسبة‬
    ‫فلا شك أن هذه الحركة‬          ‫من الله؛ لأنه غير متحرك‬       ‫له قهر الباري واستيلاؤه‪،‬‬

‫منفية عن الله‪ ،‬لأنها لو ثبتت‬    ‫وفاقد الشيء لا يعطيه‪ ،‬ولا‬            ‫ونزوله بره وعطاؤه‪،‬‬
‫له لأخضعته للزمان والمكان‪،‬‬          ‫يمكن أن تكون من ذات‬           ‫ومجيئه حكمه وقضاؤه‪،‬‬
                                    ‫العالم‪ ،‬إذ ليس في العالم‬
    ‫ولجعلته جس ًما‪ ،‬فأصبح‬                                          ‫ووجهه وجوده‪ ،‬وعينه‬
         ‫ممكنًا وهو واجب‪.‬‬      ‫شيء إلا وهو مستند إلى الله‪،‬‬         ‫حفظه‪ ،‬وعونه اجتباؤه‪،‬‬
                                ‫فلم يب َق لمذهب أرسطو قيمة‬    ‫وضحكه عفوه‪ ،‬ويده إنعامه‪،‬‬
    ‫الثاني من معنى الحركة‬       ‫منطقية‪ ،‬مما اضطر تلاميذه‬            ‫وإكرامه اصطفاؤه(‪.)24‬‬
     ‫كون ما هو بالقوة أم ًرا‬    ‫أن يعدلوا عن مذهبه‪ ،‬فمنهم‬         ‫أما المعري فقد نص على‬
  ‫فعليًّا‪ ،‬ولاشك في أن هذا لا‬                                   ‫السكون كأرسطو‪ ،‬فينبغي‬
  ‫يقتضي حي ًزا ولا جسمية‪،‬‬           ‫من ترك الإلهيات جملة‪،‬‬         ‫أن يجد من الاعتراضات‬
 ‫ثم لا يقتضي زما ًنا بالمعنى‬        ‫ومنهم من ذهب مذهب‬             ‫ما ورد على المعلم الأول‬
   ‫الذي يفهم من هذا اللفظ‪،‬‬     ‫الهنود وفيثاغورس في وحدة‬          ‫من فلاسفة اليونان حين‬
     ‫وهو حركة الفلك‪ ،‬ومن‬                                         ‫نفى الحركة عن الله‪ ،‬فإن‬
     ‫الواضح أن ذات الله لا‬                     ‫الوجود(‪.)25‬‬    ‫العلة الأولى إذا كانت ساكنة‬
      ‫يصح أن تتصف بهذه‬            ‫لكن ما معنى الحركة التي‬         ‫سكو ًنا مطل ًقا لم يكن أن‬
   ‫الحركة لأنها لم تكن قوة‬        ‫نفاها أرسطو وأبو العلاء‬
     ‫فصارت فع ًل‪ ،‬إنما هي‬                                           ‫يصدر عنها العالم‪ ،‬إذ‬
   ‫مخرجة الأشياء من القوة‬          ‫عن ذات الله ونحن نعلم‬          ‫إصدار العالم على مذهب‬
 ‫إلى الفعل‪ .‬وقد نص أرسطو‬         ‫أن للحركة في رأي أرسطو‬          ‫الفلاسفة عامة‪ ،‬وأرسطو‬
                                  ‫معنيين متباينين‪ :‬أحدهما‬          ‫طاليس خاصة ليس إلا‬
                               ‫الحركة المادية وهي الكون في‬    ‫إصدار معلول عن علة‪ ،‬وهذا‬
                                                              ‫الإصدار حركة من غير شك‪،‬‬
                                                                 ‫فإن زعم أرسطو طاليس‬
                                                                ‫أن العالم لم يزل وإن ليس‬
                                                              ‫بين وجوده وبين وجود الله‬
                                                                ‫ترتيب ذهني ولا خارجي‪،‬‬
                                                                ‫لزمه القول بتعدد الواجب‪،‬‬
                                                                  ‫وهو محال‪ ،‬وأن الإله لم‬
                                                                   ‫يوجد العالم وإنما وجد‬
                                                               ‫العالم وحده‪ ،‬وإذن ما عمل‬
                                                                 ‫هذا الإله؟ وما قيمته؟ كل‬
                                                              ‫هذه الاعتراضات وردت على‬
                                                               ‫أرسطو طاليس فلم يستطع‬
                                                              ‫لها ر ًّدا‪ .‬على أن هنا اعترا ًضا‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174