Page 208 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 208

‫العـدد ‪38‬‬         ‫‪206‬‬

                                                           ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬        ‫تجيبنا مردوخ قائلة‪:‬‬
                                                                             ‫«الفلسفة ليست فعالية‬
   ‫يتضح ذلك من العبارة‬            ‫فتقول مردوخ‪« :‬وهنا‬                    ‫ممتعة على نحو دقيق لمفردة‬
  ‫التالية التي تتخذ من ًحى‬     ‫يتوجب على الفيلسوف أن‬                     ‫المتعة المتداولة‪ ،‬لكنها يمكن‬
‫أخلاقيًّا‪ ،‬وكأنها عظة دينية‬    ‫يقاوم الفنان الذي بداخله‬                   ‫أن تكون باعثة على الراحة‬
‫أو ميثاق للشرف‪« :‬ينبغي‬                                                      ‫طالما أنها ‪-‬كما الأدب‪-‬‬
  ‫على الفيلسوف المتمرس‬            ‫ويتجاوز السعي وراء‬                     ‫تسعي لاستخلاص الشكل‬
   ‫في صنعته الفلسفية أن‬        ‫الإجابات التي تروم طلب‬                     ‫والنظام من لجة الفوضى‬
 ‫يحاول توضيح مقاصده‬            ‫الراحة‪ ،‬لأن الفيلسوف في‬                     ‫والتشويش المقترن بتلك‬
                                ‫كل الأحوال يعمل بدافع‬
     ‫بالضبط وأن يتجنب‬        ‫السعي وراء الحقيقة ويروم‬                          ‫الفوضى» (ص‪.)٢٧‬‬
‫التفخيمات البلاغية الطنانة‬                                                  ‫لكن الراحة التي تتحدث‬
                                 ‫الإمساك بالمعضلة التي‬                    ‫عنها مردوخ لا تستمر‪ ،‬أو‬
  ‫غير المجدية‪ ..‬ينبغي على‬         ‫يواجهها بدل التخفيف‬                      ‫أنها ليست راحة خالصة‬
‫الفيلسوف في كل الأحوال‬         ‫من غلوائها‪ ،‬وهذا المسعي‬                      ‫ونهائية‪ ،‬لأن الفيلسوف‬
                             ‫الفلسفي لا يتوافق بالتأكيد‬                    ‫يبقي ميَّا ًل لالتزام جانب‬
   ‫‪-‬كما أظن‪ -‬أن يتحدث‬             ‫مع ما يحصل في الفن‬                       ‫الشك والحذر فيما يتعلق‬
‫بصوت محدد بارد واضح‬                                                     ‫بالدوافع الجمالية‪ ،‬كما يظل‬
‫يمكن تمييزه متى ما وجد‬                ‫الأدبي» (ص‪.)٢٨‬‬                        ‫محتف ًظا بالحس النقدي‬
                              ‫وتضع مردوخ تميي ًزا آخر‬                   ‫تجاه الجانب الغرائزي الذي‬
    ‫نفسه يتصدى لمعالجة‬                                                  ‫يؤجج الخيال ويبقيه نش ًطا‪،‬‬
     ‫واحدة من المعضلات‬          ‫بين الفلسفة والأدب من‬                   ‫خلا ًفا للفنان أو الأديب الذي‬
                              ‫جهة اللغة‪ ،‬فالكتابة الأدبية‬               ‫ينبغي عليه أن يحتفظ بصلة‬
       ‫الجوهرية في عمله‬                                                    ‫وثيقة مع عقله اللاواعي‬
     ‫الفلسفي» (ص‪.)٢٢‬‬              ‫تأتي محملة بالدلالات‬                   ‫الذي يوفر له القوة الدافعة‬
      ‫ووفقا لهذا التحديد‬        ‫الفنية‪ ،‬واللغة في الرواية‬
     ‫الصارم لما ينبغي أن‬       ‫ُتستخدم بطريقة مراوغة‬                          ‫لإنجاز الأعمال الفنية‬
  ‫يقوم به الفيلسوف أثناء‬       ‫للغاية وف ًقا لطبيعة العمل‬                        ‫والأدبية العظيمة‪.‬‬
‫معالجته لقضاياه الفكرية؛‬         ‫الروائي‪ ،‬وهذا يعني أن‬                           ‫وبالرغم من توافر‬
   ‫تستبعد مردوخ أسماء‬
    ‫كبيرة في عالم الفلسفة‬         ‫ليس ثمة أسلوب أدبي‬                        ‫العقل اللاواعي في عمل‬
  ‫من ميدان التفلسف مثل‬             ‫وحيد متفرد أو مثالي‬                      ‫الفيلسوف‪ ،‬وبالرغم من‬
‫نيتشه وكيركجارد‪ ،‬لأنهم‬           ‫بالرغم من وجود كتابة‬
                                ‫يمكن أن توصف بكونها‬                           ‫أن ذلك يم ِّكن الفلسفة‬
                             ‫جيدة أو سيئة‪ .‬وفي المقابل‪،‬‬                     ‫من أن تكون عو ًنا كبي ًرا‬
                                ‫تعلن عن قناعتها بوجود‬                       ‫في التخفيف من ضراوة‬
                             ‫أسلوب فلسفي مثالي متفرد‬                     ‫مخاوفنا‪ ،‬إلا أن الفيلسوف‬
                               ‫يمتلك خصائصه المعلومة‬                     ‫الذي يروم الحقيقة‪ ،‬خلا ًفا‬
                                 ‫في الوضوح والصرامة‬                      ‫للفنان‪ ،‬يأبى إلا أن يزعزع‬
                                   ‫والبعيد عن الألاعيب‬                    ‫ذلك الاستقرار الذي يمكن‬
                             ‫اللغوية‪ .‬إن مردوخ تميل إلى‬
                              ‫فصل الأدبي عن الفلسفي‪،‬‬                          ‫أن يستشعره القارئ‪،‬‬
                                ‫وتحقيق نوع من الثبات‬                       ‫ويعمل بد ًل من ذلك على‬
                                   ‫والتحديد لهذا الأخير‬                     ‫إثارة شكوكه ومخاوفه‪.‬‬
                                  ‫بحيث يكون قاد ًرا على‬
                                ‫أداء وظيفته التي تختلف‬
                                ‫جذر ًّيا عن وظيفة الأدب‪.‬‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213