Page 93 - merit agust 2022
P. 93

‫‪91‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

    ‫قصــة‬

  ‫الساعة في هاتفه تشير إلى الثالثة ودقيقتين فج ًرا‪،‬‬      ‫وما هي إلا تس ُع أو عشر شفطات حتى تدفق الماء‪.‬‬
       ‫نزل إلى الأسفل‪ ،‬كان يعلم أن زوجته ستفقد‬          ‫صاح بزوجته أن تبدأ بغسل ما تكدس من صحون‬

  ‫أعصابها‪ ،‬اقترب منها من الخلف وحضنها طاب ًعا‬                 ‫وأواني المطبخ‪ ،‬وراح هو يعب صدره بدخان‬
‫قبلة على رقبتها‪ ،‬فشعرت بقشعريرة سرت في قلبها‬                                       ‫سيجارة أشعلها للتو‪.‬‬
 ‫ولم تردعه‪ .‬بقيا هكذا للحظات كانت عبرات كليهما‬
                                                           ‫دقيقة‪ ،‬دقيقتان‪ ،‬ثلاث دقائق وانقطعت الكهرباء‪،‬‬
   ‫تسقط نحو جوفيهما مصدرة صو ًتا يشبه كثي ًرا‬              ‫وسمع صوت انسحاب الماء من الأنبوب المعدني‬
                             ‫صوت تساقط الألم‪.‬‬           ‫بعي ًدا‪ ،‬شعر بألم في معدته‪ ،‬وبصوت تك ُّسر شيء ما‬

    ‫عادت الكهرباء من جديد‪ ،‬وهدر صوت الدينمو‬                                                  ‫في صدره‪.‬‬
   ‫ببحة عميقة‪ ،‬ومن دون الهمة السابقة توجه نحو‬               ‫قرفص في الممر المعتم‪ ،‬مسن ًدا ظهره المتعرق إلى‬
   ‫الأنبوب وبدأ بالسحب والشطف‪ ،‬أحس أنه يبلع‬                 ‫الحائط الساخن وراح يلحم ما تك َّسر في صدره‬
‫أشياء كثيرة نحو جوفه‪ ،‬أشياء بنك ٍه مختلفة وطعوم‬          ‫بدخان سيجارته‪ .‬جاورته زوجته دون تأفف هذه‬
    ‫مختلفة‪ ،‬بعضها حلو وبعضها بلا نكهة والكثير‬                ‫المرة‪ ،‬بل أخذت من يده سيجارته المبتلة وعبت‬
                                                         ‫صدرها بدخانها‪ ،‬تل ِحم هي الأخرى كس ًرا داخلها‪.‬‬
     ‫منها مر‪ ،‬أشياء كثيرة بلعها نحو جوفه لكن لا‬
                                 ‫شيء منها ماء‪.‬‬                ‫دقائق خمس وعادت المنحة الإلهية من جديد‪،‬‬
                                                          ‫الكهرباء‪ ،‬وهدر صوت الدينمو من جديد‪ ،‬تو َّجهت‬
 ‫تعب أصاب التحامات صدره‪ ،‬أطفأ الدينمو وصعد‬              ‫الزوجة بد ًل عنه نحو الأنبوب لتسحب الماء وتركته‬
       ‫إلى السطح وكأنه برؤية أطفاله وهم نائمون‬             ‫يستل ُّذ برائحة التحام كسور صدره‪ .‬لكن لا ماء‪،‬‬

     ‫سيستعيد بع ًضا من همته‪ ،‬وعلى ضوء قداحته‬                ‫ضحك بصوت عا ٍل وتق َّدم نحو الأنبوب المعدني‬
‫الخافت راح يتفقد صغاره‪ .‬ه َّم بالنزول ليعيد ال َك َّرة‬  ‫وأزاح زوجته بلطف وبدأ هو بالسحب والشفط‪ ،‬ماء‬
                                                        ‫حار ملأ جوفه‪ ،‬لكنه لم يتوقف‪ ،‬شعر بثقل في كيس‬
                         ‫في سحب الماء من جديد‪.‬‬          ‫معدته‪ ،‬ولم يتوقف‪ ،‬عشر دقائق أو تزيد مرت وهو‬
  ‫لم يك ْد يلمس ال ُّسل َم الحديدي حتى جم َد في مكانه‪،‬‬
  ‫إذ د َّوى صوت انفجار ضخم ه َّز قلبه قبل أن يه َّز‬                             ‫يقاوم‪ ،‬وأخي ًرا تد ّفق الماء‪.‬‬
   ‫البيت‪ ،‬تلاه أصوات رصاص كثيف‪ ،‬فارتمى على‬                 ‫توجهت الزوجة إلى المطبخ وهو إلى السطح حيث‬
 ‫السطح الإسمنتي وحبا نحو طفليه اللذين استيقظا‬
   ‫هلع ْين‪ ،‬وصار لزا ًما عليه تهدئتهما وإعادتهما إلى‬                                        ‫ينام أطفاله‪.‬‬
                                                        ‫دقيقة‪ ..‬دقيقتان‪ ..‬ثلاث دقاق وانقطع هدير الدينمو‬
     ‫النوم بحكاية ما ينتصر فيها الخير على الشر‪.‬‬
                                                                           ‫مع انقطاع الكهرباء من جديد‪.‬‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98