Page 97 - merit agust 2022
P. 97

‫‪95‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

    ‫قصــة‬

                                  ‫حليم يوسف‬

                                                     ‫(ألمانيا)‬

    ‫المقابلة التي غيرت حياتي‪..‬‬

        ‫(مشاهدات صحافي عن سنوات الحرب)‬

                                 ‫‪ ‬‬

 ‫عملي التليفزيوني بحماس منقطع النظير‪ .‬واتجهت‬             ‫ترك العام ألفين الرقم أحد عشر وراءه ومضى‪.‬‬
      ‫إلى المناطق التي تسيطر عليها فصائل مسلحة‬           ‫توزعت الأراضي والمناطق بين قوى ومجموعات‬
                                                       ‫مسلحة‪ ،‬صغيرة وكبيرة‪ ،‬ابتداء من مجموعة جيش‬
    ‫أصبحت شبيهة بالجيوش وهي تتقاسم مناطق‬                ‫النظام وانتهاء بأصغر مجموعة مسلحة‪ ،‬كل منها‬
‫النفوذ حول حلب‪ ،‬فيما التساؤل حول مصير المدينة‬
                                                            ‫تحتمي بدعم إحدى الدول التي كانت تتقاسم‬
  ‫نفسها كان مطرو ًحا بقوة وسط تنافس الأطراف‬              ‫النفوذ هناك ومنها روسيا‪ ،‬أمريكا‪ ،‬إيران‪ ،‬تركيا‪،‬‬
   ‫المسلحة ومحاولاتهم بالسيطرة عليها‪ .‬أشهر من‬           ‫قطر وبعض الدول الأخرى التي كانت تشارك في‬
  ‫بسط مسلحيه سيطرتهم على تلك المناطق‪ ،‬بل على‬             ‫تشكيل قوات للتحالف الدولي‪ .‬كانت الأنظار كلها‬
 ‫بعض أحياء المدينة أي ًضا‪ ،‬كان أبو سياف الحموي‬
    ‫الذي أطبقت شهرته الآفاق‪ ،‬رغم غياب صورته‬                 ‫متجهة إلى ريف حلب‪ ،‬المدينة التي عشت فيها‬
   ‫عن الإعلام‪ ،‬ولم يكن قد ظهر يو ًما على شاشات‬            ‫لأربع سنوات من أجل دراسة الأدب العربي في‬
   ‫الفضائيات‪ .‬منذ أشهر عديدة ونحن نحاول نقل‬                ‫جامعتها‪ .‬إلا أن ذكرياتي فيها كانت من الكثرة‬
   ‫مجريات الأمور عبر الإعلام‪ ،‬وأرسلنا طلبات إلى‬         ‫بمكان وكأنني عشت فيها لأربعين سنة‪ .‬ساهمت‬
  ‫معظم رؤساء ومديري الكتائب المسلحة الجهادية‬             ‫الحروب المتداخلة التي اجتاحت البلاد مؤخ ًرا في‬
    ‫المنتشرة‪ ،‬ولم أتل َّق أي رد إيجابي لا من قادتهم‬       ‫حدوث المزيد من الفوضى‪ ،‬وفقد الكثيرون ممن‬
   ‫الكبار ولا من الصغار‪ .‬بعضهم أرسل لنا بعض‬                ‫تب ُّقوا هناك أعمالهم‪ ،‬ومنهم أنا‪ ،‬عملي في مجال‬
                                                         ‫تدريس اللغة العربية‪ .‬لم يكن أمامي سوى العمل‬
      ‫المسلحين الناطقين باسمهم‪ ،‬وبعضهم تحجج‬               ‫الصحافي‪ ،‬وخاصة الصحافة التليفزيونية‪ ،‬التي‬
     ‫لأسباب أمنية بعدم إجراء أي لقاء مع الإعلام‪.‬‬       ‫أردت من خلالها بذل كل جهودي لإيصال الحقائق‬
   ‫إلا أن الرد الإيجابي الذي تلقيته من أشهر القادة‬     ‫التي تجري على الأرض بعي ًدا عن الخداع والترويج‬
 ‫الجهاديين‪ ،‬من أبي سياف الحموي نفسه المعروف‬              ‫لجهات ممولة هنا وهناك‪ .‬كانت الضريبة كبيرة‪،‬‬
‫بالقصاب أو بقاطع الرؤوس‪ ،‬لم يذهلني أنا فحسب‪،‬‬              ‫و كان من الممكن أن يكلف المرء دفع حياته ثمنًا‬
‫بل أذهل كل الفريق الذي أعمل معه‪ .‬لم يكن قد حدد‬          ‫لذلك‪ .‬الكثيرون دفعوا حياتهم في هذا السبيل‪ ،‬ولا‬
   ‫الزمان والمكان بعد‪ ،‬إلا أنها كانت موافقة مبدئية‬       ‫يتذكر أحد أسماءهم‪ .‬ما كان يمنعني من التراجع‬
‫على استقبالي في وقت سيخبرني به عما قريب‪ .‬كنت‬              ‫هو أن حب إيصال الحقيقة إلى الرأي العام كان‬
    ‫مطل ًعا على طلبات الكثيرين من مراسلي وكالات‬           ‫أكبر بكثير من الخوف من الموت‪ ،‬لذلك واصلت‬
  ‫الأنباء العالمية والإقليمية والمحلية التي أرسلت إلى‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102