Page 75 - merit 50
P. 75
73 إبداع ومبدعون
قصــة
يجري من حولها ،تعود للتجول بين غرف البيت،
تدور وتدور كتائهة مخبولة ،مرة مرتين وثلاث،
لكن خطواتها تضيع على مفارش الأرضيات ،بينما
الساعة الجدارية تدق دقاتها الست صدى ضربات
أميالها الكسلى يستثير حنق كلب الجارة المسنة
القابع في ظل الجدار ليباشر نباحه المتقطع ،تمتد
يدها المترددة لتزيح الستارة المشجرة ،تلصق
وجهها بلوح زجاج النافذة الزجاجي ،ترهف السمع
للحظة ،تتناهى لها تغاريد العصافير المرفرفة فوق
أوراق شجرة نارنج وارفة ،وسرب حمام يختال
فوق سطوح المباني ،تستطلع بعينين قلقتين ما
يجري في الخارج ،تلمح من الجانب الآخر عصبة
ِصبية يطاردون كرة ملونة ،تتبعهم بأنظارها للحظة
وهم يتسابقون على تقاذفها ،ترد الستارة وتهبط
وهي خائرة القوى مضعضعة الجسد ،ترى ظلاله،
تصعد للطبقة الثانية ،تهب وراءه كالمسعورة ،تأخذ
درجات السلم قف ًزا :درجتين ،درجتين ،لكنها ما إن
تبلغ نهايته حتى ُتباغت ببريقه يهبط ،تهبط في أثره
بأقصى سرعة ،إلا أنه يفعل العكس ويطير نحو
الأعلى ،تتعثر وتكاد تسقط من أعلى السلم ،تعود
لتتدارك الأمر في اللحظة الأخيرة مستعيدة توازنها
فتجري بلا اتجاه ،تعدو وتعدو وتلف حول نفسها،
تدور وتدور دون أن تتخلص من دوامة هبوطه
وصعوده ،أو تخاطف ظلاله ،حتى تتقطع أنفاسها
وتسقط مغشيًا عليها من شدة التعب والإعياء.