Page 88 - merit 50
P. 88
العـدد 50 86
فبراير ٢٠٢3
إنما غرضه الأساسي بالنسبة للخطاب السردي إيحائي ساخر ،لأن هذه الحضارة المصطنعة هي
هي محاولة مقاربة الذات الإنسانية في تركيبها في النهاية ملك لقطاع طرق ومجتمع تهيمن عليه
وتعقيدها ،فكأن هذا الجيل صار مغر ًما بقراءة نفسه الرجعية والخرافة والعنف والظلم فيبيحون للأخ
مرة أخرى أو مرة جديدة عبر هذا التراث القديم من أن يقتل أخته ،وفي قلب هذه القصة أو تفاصيلها
السحر والخرافة والعجائبية أو الفنتازيا الطبيعية تستحضر نس ًقا أو نظا ًما آخر من التنظيم لكنه
أو غير المصطنعة .وغير مصطنعة هنا نعني بها أن ذا طبيعة روحية وهو يشير إلى التنظيم الديني أو
لها جذو ًرا من الواقع وجذو ًرا حقيقة في الحياة، التقدم الروحي عبر رصد علامات الإيمان والخوف
بمعنى أنها تختلف مث ًل عن الخيال العلمي ،ومعنى
الاصطناع هنا مختلف عن فكرة التخييل الأدبي، والصلاة والتطهر لدى هذا الأخ القاتل .وهكذا
فلا ينفي كون هذه التكوينات العجائبية أو الغرائبية فإن النظامين الحضاريين الاجتماعي والديني
وراءها جذور وأصول من الواقع أن هناك صنعة بصرامتهما واكتمالهما يصبحان عاجزين أمام
أدبية أو تركيبًا تخييليًّا معينًا يتمثل في التوظيف هذا الغباء المتجذر وتلك البدائية أو الوحشية التي
والدمج بينها وبين العناصر الأخرى للخطاب. جعلته في النهاية يقتلها وإن كان متعل ًقا بها أو
تشكل قصص المجموعة دوائر متنوعة وغير تقليدية محبًّا لها منذ طفولتهما ،وكانت هذه الإشارات من
للصراع ،فمرة يكون الصراع والعنف بدافع العار الماضي بينهما لها هي الأخرى أهميتها الكبيرة في
أو الأبعاد والاعتبارات الاجتماعية ومرة يكون بنية الحكاية وكذلك دورها في الخطاب السردي
بدافع الغريزة والاحتياجات الجسدية والبيولوجية، لأنها شكلت نس ًقا من العاطفة المتوارية وأكدت
ومرة يكون بدافع جماعي ونوعي ،أو يتأسس على الطبيعة المنافقة أو المخادعة للإنسان الذي
على كراهية جماعة لأخرى تختلف عنها ،كراهية تتغلب الهمجية والتكبر لديه على البراءة والذكريات
الأغراب أو الوافدين ،والحقيقة أن كل هذه الأنماط الجميلة ،حيث لم تمنعه هذه العاطفة وتلك المحبة
من الصراع تعود إلى النقطة الأساسية المرتبطة لأخته من قتلها ولم تمنعه من الاستجابة لغروره
بمقاربة الوحشية والبدائية المتجذرة في الإنسان، وما يعرف بالسمعة أو بالعار وغيرها من أشكال
والعودة إلى مقاربة هذا الأصل الكامن والخفي،
ولهذا نجد أن الخطاب أجاد في رسم صورة وحشية الاتهام للمرأة التي ليس تحت مظلة رجل.
طريفة وغرائبية للأغراب الوافدين .في نوع من في القصة الثانية (العرسة) تتجلى هذه الوحشية
التكريس لثنائية الذات والذات المضادة ،الذات والبدائية بصورة أكثر جلا ًء وحس ًما عبر أفعال
المتحضرة والذات البدائية ،الأنا والآخر ،أو ثنائية سحر وأعمال سفلية تشكل نس ًقا مقاب ًل ومحار ًبا
المستقر والوافد الغريب .فيتجلى ذلك في هذه القصة للجمال أو للحضارة ،فلا تمثل الأنثى البطلة في هذه
التي عنوانها (النعش) :عندما جاءوا زم ًرا ،أرجلهم القصة نموذ ًجا فرد ًّيا ،بل هي رمز لمتع الحضارة
أعرض من الحطب ،وفوق رؤوسهم البوم .بدوا وفوائدها أو جمالها وما تمنح من لذة ،ولهذا اقترنت
كوحوش لها رأسان ،تمشي على أربع ،تعفر الهواء هذه العروس الريفية الفاتنة بأدوات التحضر من
وتحيل الزهور ترا ًبا .فنجد أن خطاب القصة قد التجمل أو الزينة والملابس وفنون الرقص والغناء
أسس وكرس لنمطين متقابلين من البداية ،ويمثل والاحتفاء أو الطابع الاحتفالي الدال على النزوع
التقاءهما نقطة الذروة التي يتفجر منها العنف أو
الصراع والتنازع المشوق ،فيلتقط الجميع الأسلحة الأصيل في الإنسان نحو الحضارة واصطناع
وأدوات الحرب المتاحة في قرية ريفية ،وهنا يلمح البهجة أو تشكيل متعته الموازية لجمال الطبيعة
الخطاب القصصي إلى أمر مهم وهو حال التساوي المهملة أو البدائية ،ولكن هذا النمط المتحضر المتمثل
بين الطرفين وقت الاقتتال ،فكأن العنف قد ردم في العروس يصطدم بأعمال السحر وطقوس الإيذاء
الفجوة والهوة الحضارية بين الفريقين ولم يكن عبر الأعمال السفلية والرغبة في طمس الجمال،
مما يؤشر إلى مشاعر الحقد والكراهية والعنف
الكامن في الأعماق .وهكذا فإن الغرائبية أو الفنتازيا
والعودة إلى هذه الحفريات والمكونات الاجتماعية