Page 91 - merit 50
P. 91
نون النسوة 8 9
دانتي أليجري جابرييل جارثيا ماركيز في عالم تضمن العجائب والأساطير بلسان واحد
وبطرق مختلفة في السرد ،فنلاحظ أن نصوص
رقم ستة ..حكاية خلْق ،وخلْق حكاية المجموعة المثيرة للانتباه والفضول الأدبي مبنية
على فكرة الدوران المؤنث -أليس شكل حكايات
النصوص التي تتداخل فيما بينها تساهم في بناء
سيرورة الأحداث ..ولكنها دو ًما موضوع للخلق شهرزاد دائر ًّيا أم أنني أخطئ في التقدير؟ -لعملية
الحكي ،فكل قصة مستقلة عن الأخرى وفي قالب
كما هي الحال في كل مسار طبيعي.
في النصوص المقدسة أن الخلق تم في ستة أيام ،ولا مختلف لكن القاسم المشترك بينهم هو السرد ،فهذه
الطريقة جعلت المجموعة القصصية تسير وفق
يهم الحجم الحقيقي للرقم ستة ،لأننا نعلم مبدئيًّا
بأن يو ًما عند رب الحكايات بمقدار ألف يوم مما معلم متعامد ومتجانس ،عموده الأساسي السرد،
يعد السرد ،ليكون الرقم دا ًّل ميتافور ًّيا لا تعيينًا. ومحوره هو القصص المختلفة التي تبثها في لا
هي ستة برقاص القلب وعلى مؤشرات الروح التي وعينا الحياة ،وتدركها قلوب الكتاب بلا عناء.
هي الحارس الوحيد الموثوق فيه لمعبد الدلالة.. نقف على مقطع من الحكاية والمعنون بـ»العرسة»،
ولأن النصوص المتنوعة تبحث دائ ًما عن قارئ يقف يقول »:الغرباء ،يوم السبت ،قليلو البخت ،بخطوة
واحدة على أعتاب البلدة يعرفون أن النور قد حل،
أمامها ليساهم في إعادة بنائها من جديد ،فإنه هو غيطان غلة ،قرص شمس ،فطير مشلتت ،والكحل
نفسه الذي سوف يقف مبتك ًرا بعيونه ست زوايا
ممزوج بالفلفل والزيتون »..ص.19
للصلاة الدلالية الفنية ،وقفة تحمل بين طياتها تصور لنا القا َّصة الواقع المصري والمجتمع الذي
ست زوايا للحكي ،ذلك لأن هذا المشروع مبني على
يؤمن بفكرة الأسطورة ،فيجعل من كل حكاية
طريقة الحكي وطبيعة السرد الذي يتيح للقارئ وجهة هو موليها ،فيأخذ من كل يوم حكاية ومن
المجال للغوص في هذه النصوص.
كل زمن أسطورة ،في الحقيقة هي تصور لنا
نتأمل جي ًدا قول أميرة بدوي« :بعد صلاة المغرب العقلية الجامعة التي تهيمن على المجتمع المصري
عاد إلى البيت ،استقبلته أمه بقطعة مخ غارقة في الذي يجعل من بقايا الحكايات والأساطير عالمًا
الملح والكمون ،ملفوفة في رغيف من القمح الأبيض،
مه ًّما ومهيمنًا ،فيبني منه وت ًدا يؤم فيه جميع
الناس على منبر واحد ،شأنه في ذلك شأن الساحر
أو العجوز الذي يستطيع بكلامه المبهم أن يجمع
أكثر عدد ممكن من البشر ،هنا استطاعت القاصة
أميرة بدوي أن تجعل من بيتها موطنًا للحكايات،
تقص على مسامعهم مختلف القصص ،ربما
طريقة سردها مميزة ومشبعة بالتفاصيل ،فجعلت
حكاياتها تسير على وتيرة منتظمة ،فتدفع بالواقع
الحكائي نحو عوالم أفضل.
حينما نتأمل العبارة التالية «الغرباء ،يوم السبت،
قليلو البخت» نتصور واقع المجتمع الذي ينفر من
الغريب لأنه يحمل تيمة العدو ،الخيال والشخص
غير المرغوب فيه ،في الحقيقة هي تصور لنا ثقافة
المجتمع المصري المشتت بين واقع ثقافي منها وعالم
أسطوري خرافي مهيمن ،فالأيام بالنسبة لهم غير
متشابهة تخضع لعقلية المجتمع وطريقة تفكيرهم.