Page 95 - merit 50
P. 95
نون النسوة 9 3 استطاعت القاصة أميرة بدوي أن تستثمر معطيات
الواقع المصري المبني على الثنائية ،ولأن الوجود في
استطاعت أن تصور واق ًعا مصر ًّيا بامتياز ،فقدمت الحقيقة يؤمن بهذه الفكرة ،ذلك أن كل شيء يقابله
لنا مجموعة من النصوص بعناوين مختلفة منها الثاني من جنسه ونوعه ،غير أن المخيال العربي قد
تبنى فكرة الثنائية واستطاع بواسطتها إنشاء عالم
البومة ،القط ،الديك ،الغولة ..كلها إيحاءات مباشرة خرافي يؤمن بفكرة التيه وسط ظلال الخرافات ،هذا
إلى كل ما هو خرافي أو أسطوري ،ومن منظور ما جعل القاصة أميرة بدوي تستثمر هذه المعطيات
الرؤية الإنسانية كلها صور لمسميات تقشعر لها وتستثمر القاموس الأسطوري في تصوير عالمها.
النفوس ،وتكرهها لأنها تجلب لها الشؤم والكسل عندما نتأمل قول أميرة بدوي« :في شرع قطاع
والعنف ،في الحقيقة هي أفكار ترسبت في الذاكرة الطرق ،القتل في الأشهر الحرم ،سيدي عبد
الفردية والجماعية .وصعب اقتلاعها أو التخلص
منها فتجردت في عمق المجتمع وأصبحت طريقة الرحمان ،رئيس المجلس قضى بذلك ،وأمره سيف
على رقابنا جمي ًعا ،كل أسبوع ينعقد مجلس قطاع
مميزة في التفكير وفي السلوك وحتى في طريقة
العيش. الطرق ،يجلس سيدنا على دكة في المنتصف»..
ص.11
إن تمظهرات الجانب الأسطوري داخل المجتمع
يعبر عن طريقة تفكير مجتمع يسير وفق منحى هذا المقطع القصصي تصور فيه فكرة مجتمع يؤمن
بما هو خرافي وأسطوري ،إذ نلاحظ أنها قد جعلت
مستورد لا أساس له من الصحة ،غير أن هذه
الظاهرة قد انتشرت في المجتمع وأخذت حظها من من الأشهر الحرم من ًعا لكل أشكال القتل ،لكنها
تفكير الجمهور ،ربما من هذا المنبر تريد القاصة لم تفسر سبب المنع إلا أنها اكتفت بقولها الأشهر
إيصال فكرة إلى القراء عمو ًما وإلى المجتمع المصري
الحرم.
خصو ًصا ترغب من خلاله تغيير طريقة العيش استطاعت القاصة أن تدخل عمق المجتمع فتصور
ونمط التفكير الذي جعل الإنسان يدور في حلقة ما كان يؤمن به ،وما كان يفعله وكل هذه الأشياء
مفرعة ظاهرها منمق وباطنها خا ٍل من الحقيقة.
أرادت القاصة أن تقدم رؤية حول مجتمعها الذي مربوطة بواقع يحتضن الخرافات والأساطير
تغطيه الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية ،إذ والمرويات ،يؤمن بها ويسير على دربها ،في الحقيقة
جعلها المجتمع ركيزة أساسية. هو خطاب يصور طبيعة العلاقة الموجودة بين
الأفراد والمجتمع ،والمبني أسا ًسا على ضرورة
مفاتيح نهائية احترام هذه المرويات .ولا عجب أن نجد طبيعة
سوف نجد كل مصل متبتل إلى آلهة السرد المولعة المجتمعات العربية التي تؤمن بهذه الأفكار
بالتلاعب والجمال الذي يقطر من الحكايات يدعو فاستحوذت على طبائعها وغلبت عليها ،فأضحى
جهة ما لتمام الحكاية ،والحكاية تتم ويتم بناؤها
حتى حينما لا تكتمل .وهذه صلاة أولى مستجابة المجتمع يسير على مذاهبها ويفرض كل ما هو
خارج عن أثرها وقوانينها.
للقاصة.
وسوف نجد الموقف المتشابك من الميتافيزيقا يتحول طبيعة البشر قابلة للتغيير وسلوكهم قابل أي ًضا
للتغيير ،لكن نمط الحياة فرض نفسه فجعل
بفعل الفن إلى مخارج اضطرارية لحبسات المعنى
ولمعضلاته. طبيعة هؤلاء البشر وسلوكهم خاض ًعا لنمطية
كيف ذلك؟ معتادة ،ربما فرضية الإيمان العميق بهذه المرويات
والموروثات الشعبية أخذت حي ًزا كبي ًرا من تفكيرهم
إننا دو ًما نتساءل داخل بيت السرد :هل نصور
كل هذه الميتافيزيقيات كما هي ماثلة للمؤمنين بها ووجودهم فأرهقتهم ومنعتهم من التصدي لكل
ما هو أمامها ،ومن ثم أضحى الفكر الإنساني
فنكون قد ساهمنا في نشر الخرافة؟ أم نتعامل خرافيًّا بامتياز لا يستطيع تفسير أي شيء .إلا
معها كما كان القرن الثامن عشر والقرن التاسع
إذا ربطه بهذا أو ذاك ،ومن ثم نلاحظ أن القاصة