Page 106 - merit 38 feb 2022
P. 106

‫العـدد ‪38‬‬                           ‫‪104‬‬

                                                              ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫أسامة حمدوش‬

‫(المغرب)‬

‫رماد الذاكرة‬

‫لا تقوى على أن تضمها كتب التاريخ‪ ،‬فالتاريخ لا‬      ‫لم أصدق نفسي في هذا الوضع النتن‪ ،‬طفح الكيل‬
  ‫يكتب شع ًرا لكن يكتب نث ًرا‪ ،‬يكتب سر ًدا وحكيًا‬    ‫وكرهت ذاتي وعذبتها غير ما مرة على طريقها‬
                      ‫بتفصايل تجاعيد الذاكرة‪.‬‬           ‫المنحرف بمنعرجات الأنا النرجسية والعناد‬
‫فما أقسى مرارة اللحظات التي تهيمن على مهجة‬             ‫الأبي‪ ،‬كنت رج ًل مشرقيًّا أبيًّا وكرامتي تعلو‬
 ‫مصطفى‪ ،‬رجل مثقف مفكر شاعر أديب يحسب‬                   ‫فوق جميع الاعتبارات‪ ،‬وها أنذا اليوم صرت‬
 ‫له ألف حساب في المجامع الثقافية والأدبية‪ ،‬لكن‬         ‫دون قيمة ولا شرف‪ ،‬وبخت نفسي على عدم‬
 ‫والآن بعد مروره بمرحلة مخيبة أضحت بضعة‬                 ‫وعيها بأفعالها‪ ،‬لعنتها على الاهتمام الخاطئ‬
 ‫أشهر معدودات تنخر عباب جسده وروحه‪ ،‬وما‬             ‫بأناس لا يستحقون كل هذه التهاليل والزغاريد‬
                                                    ‫المقيتة‪ ،‬كانت الجنازة كبيرة والميت فأر‪ ،‬كل هذا‬
‫أصعب أن يصل الطموح في رجل إلى توهان‪ ،‬وما‬             ‫يقع بداخلي المعذب في لحظات الشؤم والاختيار‬
‫أصعب أن تتلاعب بك عناكب وثعابين الزمان كما‬             ‫اللعين‪ ،‬في لحظات الضعف لا ينبغي للمرء أن‬
                                                               ‫ينسى تاريخه المجيد وماضيه التليد‪.‬‬
                     ‫تتلاعب الخمرة بالسكران‪.‬‬
   ‫يصير المرء في لحظات هواجس العواطف حاله‬          ‫لطالما كان مصطفى وا ٍع بلعبة الزمن النتن‪ ،‬يهمه‬
   ‫مخيبة للآمال تدعو للرأفة والعناق والقرب بدا‬      ‫مستقبله أكثر من كومة مقززة من بشر يمرون‬
  ‫البعد القاتل‪ ،‬يتلاعب به الحنين بعبثية اللاواقع‬    ‫على الذاكرة الصغيرة ويتركون بصيص لحظات‬

        ‫واللامنطق مثلما يتلاعب الريح بوريقات‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111