Page 33 - merit 38 feb 2022
P. 33

‫‪31‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫هذا الجنس السردي القصير ج ًّدا‪ ،‬في إطار إيلاف‬         ‫على العموم‪ ،‬فقد شكل العنف والدمار موضوعة‬
  ‫منسجم ومتجانس يحقق للنص السردي جماليته‬                 ‫البحث في هذا المقال النقدي‪ ،‬بد ًءا بعتبة العنوان‬
‫الفنية وفرادته التعبيرية‪ ،‬دون أن أهمل البعد الدلالي‬      ‫«دمية» التي سطرت أحرفها بلون أحمر غامق‪،‬‬
                                                          ‫ومرو ًرا بصورة الغلاف الذي يستدعي منظ ًرا‬
     ‫للأضمومة الذي لا يتوارى مختفيًا وراء الحلم‬
‫والرمز والمجاز والأسطورة والمفارقة‪ ،‬حيث يتشكل‬              ‫رهيبًا لبقايا دمية أجزاؤها متناثرة داخل أحد‬
                                                         ‫البيوت السكنية المنهارة‪ ،‬وانتها ًء بالمتن الحكائي‬
   ‫على نار هادئة وعن طريق لغة شفافة تمزج بين‬            ‫الذي استطاع القاص حسن جبقجي إفراغ مادة‬
   ‫الوضوح والسهولة والخفة والرشاقة‪ ،‬وقد وفق‬             ‫قصصية طازجة في قالب جنس قصصي حديث‬
                                                        ‫وهو جنس القصة القصيرة ج ًّدا‪ ،‬من خلال ثيمة‬
     ‫الكاتب في مغامرته السردية المحفوفة بالمخاطر‬     ‫العنف والصراع المسلح بين فصائل الثورة‪ ،‬توقفنا‬
     ‫والصعوبات‪ ،‬ممتطيًا صهوة الكتابة القصصية‬
   ‫الجريئة في موضوعها وأسلوبها‪ ،‬مفض ًل ركوب‬                ‫مليًّا عند لحظات وامضة من الحكي المشهدي‬
    ‫صهوة السرد الوامض أو الخاطف الذي يعتمد‬            ‫يصور خلالها السارد صو ًرا مرئية لجثث وموتى‬
     ‫التكثيف والاختزال والحذف والمفارقة في قالب‬        ‫وشهداء وأطفال مشردين ونساء ثكلى‪ ،‬وقد تبدى‬
                                                        ‫جليًّا أن العنف هو السمفونية التي تعزفها جوقة‬
                                  ‫رمزي متميز‪.‬‬        ‫الثوار في كل شبر من أرض سوريا‪ ،‬وتسري في كل‬
   ‫تأسي ًسا على ما سبق‪ ،‬يتبين أن القصة القصيرة‬         ‫جزء من أجزاء البلاد‪ ،‬حتى أضحى الخبز اليومي‬
  ‫ج ًّدا هي أقدر الأجناس السردية على الاستماع إلى‬     ‫الذي تتغذى منه الأرواح الثائرة‪ ،‬ويعد الاستشهاد‬
‫نبض واقع الحراك الثوري بكل تفاصيله وجزئياته‪،‬‬         ‫أسمى تجليات الموت في أعين الثورة‪ ،‬ومن ضحاياه‬
 ‫وتستطيع بالتالي استشراف توقعات القراء والنقاد‬
 ‫والباحثين في زمن الاتصال الإلكتروني والانفجار‬            ‫الطفولة المغتصبة التي تئن في صمت‪ ،‬وشكلت‬
                                                      ‫الدمى المبعثرة على صورة الغلاف بؤرة الأضمومة‬
     ‫المعرفي والسرعة القياسية في ترويج المعلومة‪،‬‬
       ‫وفي عصر الأكلة الخفيفة والانتشار الواسع‬           ‫التي تتحلق حولها دلالات العبث والظلم والقهر‬
                                                        ‫والهمجية والرعونة والتسلط في أقصى مراحله‪.‬‬
    ‫للحواسيب المحمولة والهواتف النقالة‪ ،‬ويمكنها‬       ‫من جهتي‪ ،‬حاول ُت ملامسة الأبعاد الرمزية للعنف‬
  ‫بالتالي الاستجابة لتطلعات فئة عريضة من القراء‬         ‫والدمار في أضمومة حسن جبقجي «دمية»‪ ،‬من‬
  ‫والمتتبعين لاعتمادها على السرد الوامض والحكي‬         ‫منظور وصفي تحليلي‪ ،‬وذلك بالوقوف عند بعض‬
   ‫المشهدي واللقطة الخاطفة والتكثيف والاختزال‪،‬‬
‫وهي مقومات تناسب التكوين النفسي والاجتماعي‬                ‫المقومات البنائية للأضمومة مثل الشخصيات‬
   ‫والثقافي والأدبي لجيل القرن الواحد والعشرين‪،‬‬         ‫والأمكنة‪ ،‬ورصد المقومات الرمزية السائدة مثل‬
  ‫جيل الوسائط الإلكترونية بامتياز‪ ،‬كما أنها تعتمد‬        ‫رمزية الحلم والمفارقة والحكي المشهدي‪ ،‬وكلها‬
                                                        ‫ميكانيزمات توسل بها السارد من أجل التوليف‬
     ‫تقنيات المفارقة والفراغ الدال مما يجعلها أكثر‬
  ‫ملائمة لإبداع نصوص سردية قادرة على اختراق‬                ‫بين الخيال المنتج والواقع المأساوي المدمر في‬
  ‫الواقع المعاش وتشريحه‪ ،‬وتصيد لحظات وامضة‬                  ‫سوريا محاكا ًة وتصوي ًرا وإبدا ًعا كاش ًفا عن‬
                                                         ‫حيثيات اللحظة الوامضة بشكل دقيق‪ ،‬مما ولَّد‬
       ‫تختزل الزمان والمكان والحدث والشخوص‬               ‫أل ًقا متجد ًدا للقصيصات كي تفصح عن قدرات‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38