Page 30 - merit 38 feb 2022
P. 30

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪28‬‬

                                                     ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

           ‫الحكي المشهدي‬                                 ‫عن الشخصية التي ماتت وأضحت جثة جامدة‪،‬‬
                                                       ‫وبقيت مع ذلك أحلامها تتجول في المدينة القديمة‪.‬‬
‫الحكي المشهدي في تعريف سلمى براهمة (المغرب)‬          ‫إن لغة السارد في النص الحلمي جد مكثفة‪ ،‬وتتخللها‬
    ‫يعني «السرد بعين الكاميرا الذي تناسب إلى‬
          ‫حدود قصوى مع عوالم الطفولة»(‪.)15‬‬               ‫جمل فعلية مرتبة دون فواصل‪ ،‬ومختومة بنقط‬
  ‫يسير السرد في أضمومة «دمية» لحسن جبقجي‬                 ‫الحذف مما يضفي الانسيابية على الحكي‪ ،‬ومن‬

‫مواز ًيا مع حركات الأبطال وصخبهم وردود فعلهم‬                ‫أمثلة ذلك قصيصة «أحلام شرقية» ونصها‪:‬‬
   ‫داخل الحكاية‪ ،‬فعلى صعيد التصوير الفني‪ ،‬عمد‬         ‫رض ْت على نفسها في غرفة ضيقة‪ ..‬وسادة بيضاء‪،‬‬
     ‫َس َّراد ال ُأضمومة إلى تصوير المشاهد تصوي ًرا‬
    ‫دقي ًقا‪ ،‬عبر المزاوجة بين الوصف المرئي المكثف‬             ‫حين دق باب بيتها (أخي ًرا ستصبح حرة)‬
    ‫للأحداث‪ ،‬والتصوير النفسي للحالات والمشاهد‬        ‫حملها عريسها من غرفة ضيقة إلى علبة كبريت»(‪.)14‬‬
  ‫الدرامية‪ ،‬على شاكلة رسام اللوحات التشكيلية أو‬
  ‫مصور اللقطات السينمائية‪ ،‬حيث تسهم العين في‬              ‫يصطبغ الحلم هنا بصبغة المفارقة عبر توظيف‬
                                                            ‫رمزي مكثف لكلمة مضافة «علبة كبريت»‪،‬‬
‫التقاط المشهد وتتبع جزئياته وتفاصيله‪ ،‬واكتشاف‬
   ‫شخوصه من الناحيتين الخارجية والداخلية مما‬          ‫فيندمغ الخيال بالحلم‪ ،‬وتتولد الدهشة من حلم و َّل‬
 ‫يضفي على المشهد ألقا تعبير ًّيا وجاذبية تصويرية‬       ‫(الماضي)‪ ،‬ووظيفته التعويض عن مرحلة تاريخية‬
                                         ‫نافذة‪ً.‬‬
     ‫إن السارد يميل كثي ًرا إلى التوصيف المشهدي‬            ‫مزهرة ومفعمة بالفرح والغبطة والحياة‪ ،‬يعم‬
  ‫للقطات الوامضة المهملة‪ ،‬مما يفسر هيمنة الجمل‬         ‫السلام والأمن البيت‪ ،‬وفي الآن نفسه التنفيس عن‬
   ‫الوصفية‪ ،‬ففي قصيصة «صور» يرتسم الحكي‬                 ‫الشخصية الساردة وملء فراغات النفس والروح‬
    ‫المقطعي عبر أربعة مشاهد درامية ندرجها على‬
                                        ‫التوالي‪:‬‬          ‫لمواجهة آثار حرب مدمرة من خلال قصيصات‬
  ‫المشهد الأول‪ :‬خروج الأب يبحث عن كسرة خبز‬               ‫(حلم)‪( /‬حلم أميرة)‪( /‬أحلام طفولية)‪ ،‬أو حلم‬
                             ‫يسد رمق أهل بيته‪.‬‬         ‫آني تسري أحداثه على الحاضر ووظيفته تصوير‬
    ‫المشهد الثاني‪ :‬جثث ملقاة على أطراف الطرق‪..‬‬          ‫الشخصيات المحطمة نفسيًّا وهي تصارع الغربة‪،‬‬
     ‫جثث أخرى ملقاة في الحاوية‪ ..‬بينما الأوساخ‬           ‫وترثي حاضرها المؤلم من خلال قصيصة (حلم‬
                           ‫منتشرة في كل مكان‪.‬‬        ‫جدي)‪ ،‬إذ يلتقي السارد بجده في الحلم وينسج معه‬
   ‫المشهد الثالث‪ :‬السوق مزدحم‪ ..‬العيون جائعة‪،‬‬        ‫حوا ًرا خياليًّا تطبعه الدهشة والمفارقة والفراغ الدال‪.‬‬
                              ‫والأسعار مرتفعة‪.‬‬       ‫أو حلم يستشرف المستقبل بحسرة‪ ،‬ووظيفته تهيئة‬
   ‫المشهد الرابع‪ :‬الباب مغلق بإحكام‪ ..‬لا ماء‪ ،‬ولا‬     ‫الشخصية نفسيًّا للتحكم في الواقع والسيطرة عليه‬
                 ‫كهرباء‪ ..‬الأم وأطفالها ينتظرون‪.‬‬      ‫أم ًل في غد أفضل‪ ،‬بمعنى أن السارد يتغيَّا من وراء‬
      ‫يتضافر السرد والوصف في المشاهد الأربعة‬            ‫استدعاء الحلم تزويد البطل بشحنة نفسية قوية‬
  ‫ماز ًجا بين حسية المكان ونسبية الزمان وتقلبات‬      ‫تدفع به إلى التجدد داخليًّا‪ ،‬ومقاومة عوامل الإحباط‬
  ‫الوجدان‪ ،‬ومأساة الإنسان السوري في ظل واقع‬              ‫والتشظي في بنية المجتمع السوري‪ .‬ونلمس هذا‬
                                                     ‫الاستشراف في قصيصة بعنوان «طفل بلا أجنحة»‪،‬‬
‫الجوع والدمار‪ ،‬فالمشهد الأول يسرد حدث الخروج‬         ‫التي يتمنى من خلالها طفل صغير بأن يسكن كوكبًا‬
   ‫للبحث عن كسرة خبز‪ ،‬والمشاهد الثلاثة المتبقية‬        ‫ليس فيه بشر‪ ،‬وهذا التمني يولد الدهشة والغرابة‬
    ‫تبنى على الوصف الخارجي للأشياء والأمكنة‪،‬‬
  ‫كما تبنى على الوصف الداخلي بواسطة التوظيف‬                 ‫في مخيلة المتلقي لقيامه على خاصية المفارقة‪.‬‬
    ‫المجازي لبعض العبارات (العيون جائعة) وهو‬                 ‫لهذه الأسباب لم يتوان السارد في الاحتفاء‬

                                                           ‫بالحلم الأدبي واستدعائه في سياقات سردية‬
                                                       ‫مختلفة‪ ،‬راس ًما صو ًرا رمزية حالمة تخاطب ذاكرة‬

                                                            ‫الشخصيات بواسطة التداعي الحر والإيحاء‬
                                                                                           ‫والتكثيف‪.‬‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35