Page 42 - merit 38 feb 2022
P. 42

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪40‬‬

                                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫مختار سعد شحاته‬

‫تأريخ الروائي‪..‬‬

‫كأس «زيادة» أخير‬

‫في «حانة الست» لمحمد بركة‬

‫زاد محمد بركة عبر سرده ال ُمتخيل كأ ًسا أخي ًرا في حانة الست يمكن‬
‫وضعه إلى جانب كاسات الهوى والعشق الموسومة باسم «الست»‪،‬‬
‫حين راح يحكي لنا العديد من حكايات التاريخ المسكوت عنه في‬
‫سيرة أم كلثوم الذاتية‪ ،‬متطر ًقا إلى زوايا شديدة الحساسية قد يراها‬
‫محبوها تجن ًيا أو مبالغة تشوه النموذج الذي عليه يعكفون‪ ،‬لكن‬
‫الجديد فيما قدمه المؤلف هنا من الحكايات المسكوت عنها‪ ،‬أنها جاءت‬
‫كلها خلال عملية التفكيك تلك بهدف إعادة البناء الإنساني المجرد‬
‫لشخصية أم كلثوم‪.‬‬

‫الروائي النابه‪ ،‬الذي لا غنى له عن التراث الإنساني‬   ‫يقترب تعريف التاريخ ‪-‬في بعض تعريفاته‪-‬‬
    ‫ومادته‪ ،‬ولا عن كل المنتوج الإنساني‪ ،‬ويشترك‬
                                                      ‫من تعريف التراث‪ ،‬حين يجعل البعض من كل‬
‫مع المؤرخ في كونهما يقتربان من الحدث الإنساني‬          ‫المنتوجات البشرية صورة من صور التاريخ‬
   ‫بشكل ما‪ ،‬إما واقعي أو ُمتخيل‪ ،‬ويتقاطعان عند‬       ‫أو الحدث التاريخي‪ ،‬وهو ما يؤكده ذلك التزايد‬
    ‫طرح الأسئلة حول الحدث الواحد‪ ،‬خاصة حين‬           ‫المضطرد في الوعي الإنساني بكل ما يحدث من‬
                                                     ‫حوله أو فيما حدث من وقائع تاريخية‪ ،‬ويتسع‬
‫يكون المحكي هو سيرة حياة لشخصية من مفردات‬           ‫ربما ليشمل ما يتوقعه حدو ًثا مستقبليًّا‪ ،‬وهو ما‬
                       ‫التراث الأصيل أو اللاحق‪.‬‬     ‫يجعل كل ما تنتجه الحياة البشرية بكل مناحيها‬
                                                   ‫المختلفة مادة ثرية للسؤال التاريخي الذي يشغل‬
    ‫يختلف الآن عمل الروائي عن المؤرخ في إطلاقه‬     ‫فكر المؤرخ‪ ،‬بل ويجب عليه أن ينتبه إليه بالسؤال‬
  ‫عنان المتخيل والأسئلة‪ ،‬فهو أكثر حرية حين يبدأ‬        ‫والتحليل‪ .‬وقريبًا من عمل المؤرخ يكون عمل‬
  ‫ببناء سرده المتخيل من بناء المؤرخ‪ ،‬وهو ما يفتح‬
  ‫عقل الروائي على أسئلة لا يجوز للمؤرخ طرحها‪،‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47